وقد كان كل واحد من طلاب هذه المدرسة التي لم يتجاوز عمرها أربع سنوات إمامًا في مجاله ورمزًا وعلمًا في الباب الذي عمل فيه، فكيف لو استمرت هذه الكلية وتطورت وقويت! وكيف لو كان مثل هذا المشروع عامًا في كل بلد مسلم وليس مشروع رجل واحد!
يوصلنا هذا المبحث إلى نتيجة حزينة، فالمؤسسات العلمية الإسلامية لم تنجح في مواجهة التحدي العلمي الحضاري، فما كان منها في نقاط الاحتكاك بالوافد الأوروبي لم يستطع عرض مشروع النجاة وقيادة الحركة العلمية نحو شاطئ الأمان، وكان الأزهر أعظم معاهد المسلمين في العصور الأخيرة وأمل المسلمين ولكنه ضعف -أو أُضعف بالأصح- عن تحقيق أثره، وتأخر حتى جاء من يفرض عليه وعلى غيره ما لا يريده، بل وضعت المؤسسات العلمية المنافسة وأصبح لها الصدارة في المجتمعات المعاصرة، وما أعظمها من خسارة خسرها العالم الإِسلامي عندما نشأ التعليم الحديث بعيدًا عن المؤسسات التاريخية الإسلامية العريقة، وقد ضاعف من المأساة أن مراكز معاهد المسلمين التاريخية صُدمت باحتلال بلدانها لتدخل في صراع ديني وثقافي وعلمي رهيب مع سياسة المستعمر الذي كان من أهدافه تحطيم هذه المؤسسات، وعندما خرج المستعمر كان المؤمل أن تسترجع تلك المؤسسات العلمية مكانتها التاريخية ولكن العالم الإسلامي وقع فريسة تجارب لسياسات تغريبية كان من أبرز ضحاياها مؤسسات التعليم الإسلامية. كما أن التجارب اليتيمة لإيجاد تعليم يلبي حاجة الأمة ويعيد لها شيئًا من كرامتها تمت محاصرته وإضعاف شروط بقائه فوُئِد سريعًا.
ومع ذلك فهناك محاولات جادة عبر الجامعات الإسلامية المعاصرة لتجاوز آثار تلك المرحلة التاريخية الحرجة، من جهة التأصيل الإسلامي للعلوم العصرية أو من جهة العناية بها وهي وإن كانت في أول الطريق، إلا أن الأمل معقود بها وبأهلها لتحقق لنا الإصلاح المنشود والاستقلال العلمي والمعرفي.