للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهمية اختراق العالم الإسلامي، ولذا كانت القوى السياسية العلمانية توفر الغطاء اللازم لعمل المبشرين علّه يخدمهم في عملهم، وهكذا العكس، ويزول الاستغراب أيضًا إذا علمنا أن القوى العلمانية الغربية وجدت في الكلية فرصة للحركة، فاخترقتها حتى وإن لم يرغب قادة التنصير منهم في ذلك الاختراق.

جُمعت تبرعات إنشاء الكلية البروتستانتية في أمريكا، وفي أثناء وجود فان ديك (١) -أحد أهم قادة التنصير في الشام- في أمريكا ليتولى طباعة "كتابهم المقدس" بعد أن تمت ترجمته للعربية على يديه وأصحابه، عُرض عليه إدارة تلك الكلية فوافق، وعاد ليباشر تأسيسها مع مبشر آخر صديق له (يوحنا ورتبات، ١٨٢٧ - ١٩٠٨ م) (٢)، ووضعا وحدهما نظامها ودروسها، وقاما بتأليف الكتب العلمية وتدريسها في الباثولوجيا والكيمياء والفلك والتشريح والفسيولوجيا وغيرها (٣).

وقد سبب هذا الاختراق الغربي -العلمي والفكري والسياسي- لنصارى الشام انقسامًا فيما بينهم من جهة، ودخول أفكار جديدة عليهم من جهة أخرى، ولاسيّما في طائفة المتعلمين منهم، وأخطرها ما كان ضد الدين؛ لأنهم حملوا تلك الأفكار ضد دينهم أولًا، ثم تعمم ذلك ليكون ضد دين الإسلام، ومن هذه الأفكار ما كان منتسبًا لتيارات "التنوير" و"الوضعية" و"المادية" الأوروبية مثل: "الماسونية" و"فولتير" و"كونت" إلى "الدارونية"، وفيها ما يمثل زعزعة فكرية، ولاسيّما أفكار "فولتير" و"رينان" (٤) أصحاب الحملة القوية على الكنيسة والفكر الديني ممن عرفوا في تلك المرحلة، وفيها ما يمثل نشاطًا ميدانيًا مثل الماسونية.


(١) أهم وأشهر المنصرين الأمريكان في القرن التاسع عشر في بلاد الشام، انظر: ترجمته في المرجع السابق، جرجي زيدان ٢/ ٥٢.
(٢) مُنصّر أصله من أرمينيا وصل الشام وارتبط بالمنصرين، درس الطب حيث وجده طريقًا أفضل للتنصير، وحثه (فان ديك) على السفر لأمريكا للدراسة وفي أثناء عودته شارك صاحبه في الكلية، انظر ترجمته: المرجع السابق ٢/ ٣١٠.
(٣) انظر: تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر، جرجي زيدان ٢/ ٥٨ - ٥٩، وانظر: الفكر التربوي العربي الحديث، د. سعيد إسماعيل ص ١٨٨ - ١٨٩.
(٤) انظر مثلًا: العلمانية من منظور مختلف، د. نذير العظمة ص ١٨١ - ١٨٢، وانظر: الأثر الفكري لـ"فولتير" وغيره، تراجم مشاهير الشرق، جرجي زيدان ٢/ ٢١٣ - ٢١٦، وهناك فقرة عن "رينان" جعلْتُها في الصحافة، أما "الماسونية" فلها فقرة خاصة أيضًا بشواهدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>