٢ - تقوم تلك المدارس بزرع الولاء لبلدان أجنبية على حساب الولاء للوطن، وتصبح ميول الطالب إلى بلد "المدرسة الإرسالية" ويتعلق بها.
٣ - فرّقت الشباب إلى جماعات، تُكنّ كل مجموعة الولاء لبلد أوروبي مثلًا، ويحدث التحزب ثم التنازع بينهم، ففرقوا الأمة، وأصبح كل فريق يدعو للولاء لبلد ما أو منهج أو طريقة.
٤ - كانت المدارس الأجنبية مستقلة تمامًا وتعمل ما تشاء، وذلك أنها في فترة الحكم العثماني محمية بنظام "الامتيازات الأجنبية" بل كانت متمتعة بقوانينها الذاتية إلى حد كبير (١).
كانت مدارس الأقليات والمدارس الأجنبية عمومًا أحد أهم مراكز تحصيل العلوم العصرية، لقد صيغ فيها المنهج والمواد وطريقة العرض والعلاقة بين العلم والدين، وجاء المدرس الأجنبي بخلفياته العلمية والثقافية وبأهوائه الدينية والسياسية، فشكلت بذلك النموذج الجديد بكل مكوناته الذي سيتصدر كنموذج للتعليم في البلاد الإسلامية، فانتقل ذلك النموذج بحسناته وسيئاته إلى "المدرسة الوطنية" الحديثة.
يظهر الغياب الكامل لدور الدولة نحو التعليم العصري في بلاد الشام، والبعض يعيد السبب إلى عدم استقرار الوضع السياسي -الإداري فيها، إذ ما إن يُنصب والٍ عليها إلا ويعقب ذلك قرار سريع بتغييره، وهو سبب مفهوم في ظل الأوضاع الإدارية المزرية التي عرفتها الولايات العثمانية آنذاك، ومع هذا الغياب جاء البديل الخطير عبر المدارس الأجنبية بأهوائها المختلفة.
(١) انظر: المرجع السابق ص ٧٣٢ - ٧٣٤، وقد كان هذا النظام العجيب (الحماية والامتياز) من بين أخطر الأدوات التي اخترق بها الغرب العالم الإسلامي، فقد كان ظاهره إعطاء امتياز خاص للأجانب داخل البلاد الإسلامية، وحماية خاصة اتسعت لتشمل الأقليات التي يعملون داخلها، فيعملون دون رقيب أو حسيب، وما كان يعكرها إلا تنافس الغربيين فقط، وقد أصبح نظام الحماية هو السائد في كل مكان يتحركون فيه، ومن ذلك ما ذكره "عبد الكريم غلاب" عن حاله في مركزٍ آخر من العالم الإسلامي (المغرب) حيث شبهه بتكوين دول داخل الدولة، وقد يفعل الرجل جريمة ولكن لصلته بقنصل أو أجنبي فيكرمه بالحماية فتمنع الدولة من ملاحقته، انظر كتابه: قصة المواجهة بين المغرب والغرب ص ٧٦ - ٧٨ - ٨٤، ١١٦ - ١٢٢.