للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في صياغة التعليم الموازي الجديد للنظام القديم المتمثل في الأزهر، وقد كان طلاب هذا النوع يُخطفون من أسرهم ويُدخلون مدارس أشبه بمعسكرات الاعتقال أو الجندية الشديدة فينفر الناس منها (١)، بخلاف الأزهر ومدارسه، فمع ضعفه إلا أن النفوس تشتاق للدراسة فيه وتفتخر الأسر بوجود أبنائها في حلقاته.

طلبت الحكومة الفرنسية من "بيليسييه" منتصف القرن التاسع عشر (١٨٤٩ م) أن يعطيها دراسة عن حال مصر ولاسيّما بعد الانتكاسة التي وقعت لتجربة محمد علي بسبب العدوان الأوروبي عليه في أثناء محاولته التوسع، فذكر انهيار التعليم وتدهوره، ولكن العجب هو ما ذكره من أسباب ومنها:

١ - ضعف المكانة التي أعطيت للفرنسيين في التعليم العالي.

٢ - عدم ترقي الطلاب الفلاحين بسبب بقاء اتصالهم بغير المتعلمين من ذوويهم.

٣ - أن استظهار القرآن في سن مبكرة قد أفسد عقول التلاميذ (٢).

بمثل هذا المكر تُكتب التقارير، والمقصود بالتعليم هنا "العلوم الحديثة" حيث جعل أسباب الضعف هو ما يريد الوصول إليه من أهداف أو يريده الاستعمار، فمرادهم تمكين أكثر للأجانب في إدارة التعليم، وعزل تام للفئة الدارسة عن مجتمعها، وإبعادها تمامًا عن مصدر دينها وعقيدتها وقوتها وهو القرآن الكريم، ومن غير المستغرب تغرب هذه التجارب ما دامت تتحرك بإدارة أجنبية، وبرغبات دينية أو سياسية تتعارض تمامًا مع دين الأمة ونظامها، ومن الطبيعي أيضًا أن ينجح على مستوى الفكر في غرس بعض أفكار العدو من خلال مدارسه الخاصة أو المدارس التي أوكلت إليه من مدارس المسلمين.

جاءت مرحلة خطيرة من جهة تمكين الأجانب ومدارسهم من أرض مصر زمن الوالي سعيد ثم إسماعيل، في ظاهرة تُعد من أغرب الظواهر في تاريخ الأمة الإِسلامية -ولاسيّما زمن سعيد- وكأن هناك قناعة بعدم قدرتنا على فتح المدارس، وأن الأولى تركها للأجانب، فيذكر صاحب كتاب نهضة مصر بأنه


(١) انظر: مجلة المنار، آثار محمد علي ٥/ ١٧٥ سنة (١٣٢٠ هـ - ١٩٠٢ م).
(٢) انظر: نهضة مصر. . . . ص ١٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>