للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعدّ فترة ولاية إسماعيل مشهورة في تاريخ مصر الحديث، فمن جهة طغت عليه رغبة في تحويل مصر إلى قطعة أوروبية (١)، في محاولة استئصال لها من جغرافية الشرق وإلحاقها بالغرب، وإذا كان الوالي بمثل هذا التفكير فمن الطبيعي أن يفتح صدره للوجود الأجنبي بكل مؤسساته ومنها التعليم، وقد وقع الكثير من ذلك لدرجة أن كاتبًا متسامحًا مثل شكيب أرسلان (٢) يتحدث عن نفوذ للأجانب لا يتصوره العقل، وأن أهل البلد أصبحوا كالعبيد للأجانب.

ومع ذلك فقد عرفت هذه المرحلة رجلًا مهتمًا بالتعليم وتطويره أعقل من رجل السياسة صاحب الأوهام وهو "علي مبارك"، الذي اعتمد عليه إسماعيل كما اعتمد جده ومن بعده على الطهطاوي ولكن ذلك لم يعطل نشاط المدارس الأجنبية فقد استمر وضعها (٣) على حاله وربما أقوى.

قام "علي مبارك" بإعادة تشكيل التعليم الحكومي، وخفف من عسكرته السابقة، وفتح المدارس المختلفة، وأدخل بعض المواد الحديثة، واهتم بالمدارس العليا التي كانت نواة الجامعة المصرية فيما بعد، وقد كان من أهم مشروعاته "دار العلوم" التي أسست سنة (١٨٧١ م) هدفها إعداد المعلمين بعد تخرجهم من الأزهر، وأدخل فيها الأدب العربي والفلك والطبيعة والعمارة والميكانيكا والتاريخ العام والفقه على مذهب أبي حنيفة وعلم النبات وغيرها (٤)، ولا شك أن جهود علي مبارك رغم المآخذ التي عليها أفضل من ترك الساحة للمدارس الأجنبية التي فرضت نفسها وأوجدت لها حماية أجنبية وأتباعًا لا يتخلون عنها.

ومع ذلك فقد أثرت تلك النماذج الأجنبية على التعليم في مصر وغيرها، أثرت في تكوين مدرسة جديدة تختلف عن "المدرسة المعروفة" عند المسلمين، ولاسيّما في عصور الضعف الأخيرة، حيث كانت مهمة المدرسة الموروثة لا تتجاوز تعليم قراءة القرآن بأساليب غير مناسبة مع القراءة والكتابة والحساب، ثم


(١) انظر: الفصل السابق ص ٥٦٧.
(٢) انظر: الشاهد ص ٦١٥.
(٣) حول المدارس الأجنبية انظر: نهضة مصر. . . . ص ١٧٠ - ١٧١.
(٤) انظر: نهضة مصر. . . .، ١٦٦ - ١٧٠، ولاسيّما ص ١٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>