للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التعليم المرغوب فيه عند ولاة المسلمين، وخريجو تلك المدارس هم المؤهلون لمناصب الدولة وأعمالها المختلفة، بخلاف الأزهر ومؤسساته فالمتخرجون منه يُؤهلون لأعمال خاصة بالمجتمع من إمامة مسجد أو خطيبه أو عاقد أنكحة أو فقيه للإفتاء أو مدرس للعلوم الإسلامية أو اللغوية، فتوجهت الدولة أولًا لخريجي المدارس الأجنبية فولّتهم الأعمال الخطيرة، ثم قامت في مرحلة تالية بتأسيس مدرسة تابعة للدولة على النموذج الأجنبي نفسه ومنعزلة في الوقت نفسه عن النموذج الإسلامي، بل منافسة له ومتصارعة معه.

فنشأ التوتر من البداية بين نموذجين، واتسع ذلك ليشمل المدرس هنا وهناك، والمنهج هنا وهناك، والرؤية هنا وهناك، والنتائج هنا وهناك، فالمدرس في الأجنبية للأجنبي بخلاف الإسلامية فهو من أهل العلم الشرعي، والمنهج في الأجنبية ما بين علوم لغوية أو عصرية من رياضة وطبيعة واجتماع والإسلامية كما هي على العلوم الشرعية واللغوية، والرؤية في الأجنبية ما بين هوى التنصير وهوى العلمنة بحسب إدارتها وملكيتها فهي إما عائدة للكنائس أو لتيارات علمانية والرؤية في الإسلامية لا تخرج عن الإسلام، والنتائج في الأجنبية أن خريجيها يحصلون على أفضل الوظائف والتقدير الاجتماعي والاحتفاء الرسمي بينما الإسلامية لا وظائف لهم إلا ما هو معلوم من قبل ولا يمثل وظيفة حقيقية فهي أقرب لعمل التطوع ولا تقدير اجتماعي إلا للنخبة منهم ممن برز في العلم الشرعي وقليل ما هم.

وقد كان يمكن تلافي هذه الازدواجية وهذا التوازي غير المعتدل مما يؤدي إلى التصادم كثيرًا، وبالرغم من الأفكار الداعية للتقريب بين المدرستين التي رفعها الطهطاوي في المرحلة الأولى أو علي مبارك في كتابه: "علم الدين" في المرحلة الثانية إلا أن ذلك التقارب لم يقع، أو لم يُرَد له أن يقع، حتى حَلّ ما حل ببلاد المسلمين من الاحتلال الخطير -الذي بدأ بالجزائر وتونس ثم مصر، ثم عم العالم الإسلامي بعد الحرب العالمية الأولى-؛ ليصبح التعارض حقيقة، وتظهر محاولات خطيرة صريحة جادة إلى حسمه لصالح التعليم الوافد برؤيته ومنهجه وأهدافه على حساب دين الأمة وهويتها وتاريخها.

وخلاصة القول: إن مدارس الأقليات الموازية للمدرسة الإسلامية قد أسهمت بنشاطها في الانحراف بمسيرة العلم العصري؛ حيث تم اختراقها من

<<  <  ج: ص:  >  >>