للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن تتخطاه، حين تستقل بنفسها وتستغني بعقلها" (١). ولطول هذا النص ما يبرره؛ لأنه يكشف لنا مجموعة قضايا حول دور الصحافة، ولاسيّما النصراني منها في خدمة أهداف الاستعمار، وفي نشر تصور علماني عن العلم، وفي تربية أجيال متعاقبة تسير على الخط نفسه وتُوسِع فيه، وتوزيع الأدوار: فاعتنت إحداهما بالعلوم الطبيعية والرياضية والصناعات، والأخرى بالعلوم الاجتماعية والإنسانية، ووضعها العلم بديلًا عن الدين في التقويم، ووضع تصور جديد عن مفهوم الحق، وأن مكان البحث عنه في العلم لا في الدين، وإمكانية إقامة الحياة على العلم والاستغناء عن الدين. وهي قضايا خطيرة تفرغت تلك الصحف والمجلات لسنين طويلة تغرسها وترعاها في وقت -كما ذكر مرارًا- كانت الوحيدة في الميدان مع ما تحظى به من قبول وبما تتمتع به من جاذبية.

يقول أحد كتاب مجلة "المقتطف": "أما قصورنا في المعرفة فهو في اقتصارنا على العلوم اللغوية والمعارف الدينية في نقص طرق التحصيل. . . . فهذه العلوم وحدها لا تغنينا في جيلنا فتيلًا، ولا نباع بها شروى نقير، فهذا عصر العلوم الطبيعية والرياضية، أسس الصناعة والزراعة والتجارة والاكتشافات. فما يمنعنا، يا أبناء الشرق، اتخاذ هذه الفنون اليوم من الغربيين؟ " (٢)، ولا أحد في الحقيقة يمنعنا، ولولا أن هناك ملابسات سلبية أثّرت في طلبها لم يظهر من يمنعها، على أن هذه الدعوة -وهو ما نريد الانتباه إليه- تركز على دعوة المجتمع إلى عصر جديد، هو "عصر العلوم الطبيعية والرياضية" وعدم الاقتصار على "العلوم اللغوية والمعارف الدينية" التي لا تغني فتيلًا ولا تساوي نقيرًا بحسب رأيه، فإذا كانت هذه المفاضلة هي ما يثار، فإن القارئ سيتوجه بعقله وقلبه إلى العلوم النافعة، وهو يوهم القارئ بأن هذه العلوم ذاتها لم تنفع الأمة، مع أن تاريخنا ما قام إلا بجعلها في صلب مشروعنا الحضاري ثم تأتي العلوم الأخرى مكملة ومتممة. والآن أعرض بعض الأمثلة من مجلات تلك المرحلة، وما أثارته من مشاكل:


(١) الإسلام والحضارة الغربية ص ٥٨ - ٥٩، مع بعض اختصار، وقد ذكر اعتماده على كتاب ألبرت الحوراني الذي صدر سنة (١٩٦٢ م) (Arabic Thought In The Liberal Age).
(٢) متري قندلفت، المقتطف، ج ١١ ت ٢، ١٨٧٩ ص ٣٠٤، نقلًا عن: الاتجاهات الفكرية عند العرب. .، المحافظة ص ٢٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>