للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعدن الرفاهة، وهؤلاء لا ريب هم المصيبون" (١).

فهذه أربعة اتجاهات رأى أصحاب المقال وجودها حول الموقف من العلوم الطبيعية مع ترجيح أحدها، وناقشت المقالة بقية المواقف، وعرضت الاتجاه الثاني عرضًا حسنًا: بأن هذه العلوم إذا ثبت نفعها فلا يمكن أن تعارض الدين، وأن المعارضة وقعت بسبب خطأ ما، ثم تكلموا بمثال عما يُعترض به وهو مسألة دوران الأرض "فإذا قيل: كيف لا يكون ذلك والعلم يثبت دوران الأرض حول الشمس، وثبوت الشمس غير متحركة، مع أن الوحي يذكر دوران الشمس، وثبوت الأرض صريحًا، قائلًا شرقت الشمس وغربت، والأرض مؤسسة، ونحو ذلك من العبارات؟ " (٢)، فأصبحت المسألة نموذجًا -والمشكلة هنا أن أصحاب المقال يخاطبون فئتين: أهل ملتهم والمسلمين، بخلاف الوضع في أوروبا- وقد أجاب المقال عن السؤال: بأن الوحي خاطب الناس بما كانوا يعرفونه ويفهمونه من كون الأرض ثابتة والشمس تدور حولها، وهو جواب لا يستقيم إلا بعد إثبات الدعوى، فإن القول بأن العلوم الطبيعية مطلقًا تعارض الدين فيه خطأ، ولكن ليس كل ما في العلوم الطبيعية صحيحًا، فما زالت تلك العلوم تتقدم، ويُثبت اللاحق أخطاء وقعت عند من سبقه، فلا يكون التعارض إلا بين علمين كُملا وليس بين الوحي الكامل والعلم البشري المتغير والمتطور. كما أن القول بأن الأدلة صريحة يحتاج إلى إثبات من أهل العلم. كما أن القول بدوران الأرض يحتاج إلى إثبات؛ لأن النصوص في هذا الباب لم تكن نصًا قطعيَّ الدلالة، كما يقول أهل الأصول، وإلا لانتهى الأمر، وما جاز لنا تقديم مثل هذه الأقوال. وليس المقصود المناقشة فلها موطنها، وإنما المراد أن المجلة بدأت تقدم المثال، ثم هي تتطوع في طرح المعالجات، وعندما تكون المعالجات خاطئة في أصل بنائها أو طريقة عملها، ثم تصبح نموذجًا يحتذى ومنهجًا يسلك يُصبح للأمر خطورته المنهجية، وهذا ما أحاول فحصه هنا.


(١) مجلة المقتطف ١/ ١٦٩.
(٢) مجلة المقتطف ١/ ١٧٠ - ١٧١ مع العلم بأن المقال في جملته من أجود ما ذكرته المجلة في الموضوع، ولكن المقصد كيف أصبحت مسألة "دوران الأرض" نموذجًا يتكرر عند طرح مشكلة النظريات العلمية الجديدة وصلتها بالدين، مع أن تحليل المثال قد يكشف خطأ الاستدلال عندهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>