للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولاسيّما مسألة نفس الإنسان، فإنه "إذا نظر فيها بطريق العلم لا غير كانت من أعوص المسائل وأغمضها، ولا يستطيع العاقل القطع في الحكم عليها اعتمادًا على مذهب من مذاهب أهل العلم والفلسفة. ."، إلى أن قالوا: "إن الحق بين مذاهبهم ضائع والصحيح مجهول، فالحكيم يعتصم بما أنزل الله عليه ويقبل من العلم الحق الجلي" (١)، وهي أصدق ما قالوه بعد هذا المقال الطويل، وهذه اللفتة القصيرة لو التُزم بها ما وقع الانحراف بالعلم والابتداع في الدين، ولكن هذه الجملة الخاتمة لم تمنع أناسًا جاءوا بعد ذلك فأخذوا من مذهب داروين ماديته وباطله وتركوا ما ينفع الناس كما سنرى لاحقًا.

كان هذا مجمل الصورة التي عرضته المجلة عن نظرية "داروين"، وعرّفت المجتمع بها، ورغم أهمية خاتمة المقال إلا أن المتتبع للمقال بطوله يجد ما يخالف تلك الخاتمة، فهي عرضت النظرية بصورة المادح المؤيد، وقذفت بمشكلة ثانية تحت مسمى العلم، وعلينا أن نتخيل تلك المرحلة وشعور الجمهور نحو هذه النظرية، فهم يعلمون أن أبناءهم يذهبون لدراسة العلوم العصرية في أوروبا، ويوجد أيضًا بعض المدرسين الأجانب في مدارس خاصة، فإذا كان هذا العلم يقول: إن أصل الإنسان يرجع إلى قرد، فإن هذا يعني وجود مشكلة كبيرة في علوم أوروبا، ويقفز إلى أذهان الكثير فساد علومهم جملة ومن ثم تقع ردّة الفعل المفسَرة من قبل المجتمع، بل من قبل علماء الشريعة، والملفت في الأمر أن صاحب النظرية إنجليزي، وفي العام نفسه التي تعرف فيها أهل الشام ومصر على النظرية احتل الإِنجليز أرض مصر.

ومما عرضته المجلة حول الموضوع خطبة ألقاها أستاذ في "الكلية السورية الإنجيلية" على الطلاب المتخرجين، وفي كلمته تحدث بمثال عن العلم الحقيقي ومثّل بداروين، وكان ذلك سنة (١٨٨١ م)، فاعترض كاتب أمريكي عليه، وهذا يكشف أنها كانت في البداية فيما بين النصارى، وهو "جيمس أنس" الأمريكاني (٢)، فقال: "فقد لاح لي أنه ذكر مستر دارون كمثال لرجال العلم، وذكر مذاهبه على أسلوب يظهر منه أنها تستحق الاعتبار، ولم يحاول


(١) مجلة المقتطف ٧/ ١٢٧.
(٢) انظر: المرجع السابق ٧/ ٢٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>