الذهن عن العالِم، فقد كان العالم في الموروث الثقافي هو العالم بالشريعة والعلوم الإِسلامية في المقام الأول، أما ما تريد الصحافة ترسيخه فهو أن العالم هو النموذج الأوروبي المعروض في صفحاتها وهو الذي يستحق الاسم.
٥ - ومما أثارته الصحافة أيضًا تركيزها على وضع تصور علماني عن العلوم العصرية، سواءً بالفصل بينها وبين الدين وعلومه، أو جعل مظلتها هي تصورات علمانية تتحرك في ظلها تلك العلوم، ومن ذلك: أن هذه العلوم الجديدة قادرة على مساعدة الناس، وإغنائهم عن غيرها من العلوم. عندما كان طلب العلوم محصورًا في النافع منها لم يظهر إشكال في المجتمع، ولكن عندما دخلت النظريات وفلسفات العلم نبتت مشاكل، وكان الحل التغريبي المطروح لها هو العلمانية، وكانوا يصورون العلمانية على أنها فقط أداة فصل بين نظامين، مع أنها في حقيقتها محاولة إحلال نظام جديد غربي مكان الإِسلام وإن كان ذلك بالتدريج، وقد اتضح ذلك بجلاء في صحافة النصارى وقت الاستعمار، حيث تحول خطابها من التلميح وغير المباشر إلى التصريح والمباشر.
٦ - ومما أثارته الصحافة أيضًا، أنها زرعت المشكلة وأرادت أن تعرض الحل، وذاك الحل المقترح قُدِّم وفق رؤية نصرانية بسبب إدارة النصارى لتلك الصحف، وبسبب إثارة المشاكل أولًا داخل النصارى حيث كانت المشكلة "نصرانية - نصرانية"، ولكن الصحافة بسبب جماهيريتها قد يتحول ما تطرحه إلى ما يشبه رؤية عامة لجميع القراء، ويترسخ مع الأيام في أذهان القراء مع التكرير، ولاسيّما إذا غاب منهج المعارضة النقدية، وأنى له ذلك في ظل غياب صحافة إسلامية في مكانة الصحافة النصرانية. ومما أوحت به من مشاكل ومناهج للمعالجة: أن هناك تعارضًا بين الدين والعلم، وأن المنهج الأنسب هو القائم على تصور الدين أنه يخاطب الناس بما يفهمونه في عصرهم وإن كان خلاف الحقيقة، وأن الحل بعد ذلك يكون في تأويل النصوص الدينية أو الأصول الدينية، وإن كان التصور والمنهج غير جديد فإن الجديد هو المشاكل والمسائل المعروضة.
٧ - ومما أوحت به الصحافة لجمهور واسع من المسلمين أن العلوم العصرية الحديثة علوم فاسدة وتدعو إلى الإلحاد والكفر وتُعارض الدين؛ لأن الصحافة التغريبية ركزت على عرض نظريات حولها إشكاليات وشبهات،