٢ - ومما أثارته الصحافة بسبب عرض ما لا نحتاجه: أن الجمهور المثقف القارئ بعد اطلاعهم على هذه المعلومات التي شعروا من خلالها بوجود التعارض مع ما يعرفونه من دينهم عادوا -كما هو المتوقع، والأصل- إلى علمائهم الشرعيين يسألونهم عن هذه الأمور.
والمتوقع -وربما وقع منه الكثير- أن يكون الجواب بترك تلك الضلالات، لكن دون إثبات كونها خاطئة بالأسلوب العلمي نفسه، والذي صيغت به تلك النظريات، أو التوقف عن الجواب أو محاولة إيجاد صورة يتم فيها الجمع بين الأمرين، والأخير قد جذب البعض ولكنه لا يصح إلا من طرف لديه معرفة جيدة بالشرع، وأخرى لحقيقة تلك النظريات. وهي مسألة ستأتي في الفصل الخامس، ولكن المقصود أنها أثارت مشكلة يصعب على أهل العلم الشرعي في تلك البيئات التي ظهرت فيها أن يجيبوا بالجواب الشافي، ولذلك أثره في زيادة الحيرة والاضطراب والاختلاف داخل المجتمع.
٣ - ومما أثارته الصحافة بسبب العرض المُشكْل في هذا الباب: أنها وفّرت منفذًا وأوجدت فرصة للطاعنين في الإِسلام والمبغضين له، وقد كان قبل ذلك يتم عن طريق تأليف الكتب أو عبر المدارس أو اللقاءات، أما بعد ظهور الصحافة فقد تحول القوم إليها بما توفره من إمكانيات لا توجد في غيرها، وقد ظهر منها الشيء الكثير في النصف الثاني من القرن الثالث عشر/ التاسع عشر حيث كانت أغلب الصحف بيد اليهود أو النصارى فوفر نشر مثل هذه النظريات فرصة لدعاة التشكيك في الإِسلام وفي الدين.
٤ - ومما أثارته الصحافة أيضًا أنها صنعت رموزًا جديدة وأخفت الرموز الذاتية. لم يكن هناك إلا صحافتهم، وأبطالها هم علماء أوروبا وأدباؤها وشعراؤها وفلاسفتها وسياسيوها وقوادها الحربيون و. . . . مع التركيز على العلماء الأوروبيين في الصحافة العلمية. هكذا اختفت أسماء أعلام الإِسلام من الصحافة وبرزت أسماء أخرى، ولاسيّما وسط الجمهور القارئ المثقف، ولا يخفى ما في ذلك من توجيه الرؤوس إلى قيادات جديدة، ورموز جديدة، تكون موضع القدوة ومصدر التلقي، كما أن ذاك التركيز يحول العناية من العلم إلى العالِم، والعالم ليس كل ما عنده علم، فعنده المواقف الدينية والثقافية والسياسية وغير ذلك. والذي يعنينا الآن أن الصحافة آنذاك رسمت "نموذجًا" جديدًا يتخيله