ظل الامتيازات التي حصلوا عليها في القرن الثالث عشر/ التاسع عشر ثم الحماية الأجنبية المباشرة مع الاحتلال الغربي لبلاد المسلمين.
علينا أن نتخيل عظيم الجرم الذي فعلته صحافة النصارى بإشغال الأمة لأكثر من ربع قرن بنظرية التطور في وقت كنا في بداية التحديث المادي والعلمي، فعطّلت المسار الصحيح لنهوض الأمة بالحوار والجدل الطويل حول هذه النظرية، ثم بعد ذلك لم نخرج بشيء، بل اختفت تمامًا في منتصف القرن الرابع عشر/ العشرين، مع اختفاء الدارونية على المستوى الغربي.
قد يقول قائل: وما المشكلة في تعرّفنا على النظريات والمناهج العلمية، ولاسيّما أن لها أثرًا في تطور العلم؟ والجواب أنه لا توجد مشكلة في ذلك إذا بقيت داخل دائرة العلوم البحتة، أما إذا كانت النظريات تختلف مع ثقافة الأمة أو مع أصول دينية، فلابد من التوقف معها قبل جلبها، ولنتأمل في طبيعة ذلك الاختلاف: ما حدوده؟ وما آثاره؟ وليتحاور حولها أولًا نخبة من علماء الشرع وعلماء العلوم العصرية حتى لا نُدخل على أمتنا ما يؤثر على عقيدتها ويثير التوتر الاجتماعي فيعيق التطور السليم والتقدم النافع.
ويختلف هذا عن موقف الصحافة النصرانية التغريبية، إذ ركّزت على ما هو موطن إشكال وربما يصطدم مع أصول دينية، فيفتحون بذلك الخلاف الضارّ داخل الأمة. ولاسيّما أن واقعنا يختلف آنذاك عن واقع المجتمعات الأوروبية، فإن أوروبا إن ظهر فيها الجديد من النظريات فعندها من العلماء المختصين في الأبواب العلمية المختلفة ما يمكنهم من نقد النظريات وتحليلها وكشف نقاط الضعف والقوة فيها بخلاف نشرها في العالم الإِسلامي، فلا يوجد آنذاك من المختصين والعلماء من يستطيع نقدها علميًا، ولا توجد المختبرات ولا البحوث العلمية ولا الدراسات السابقة ولا المعامل ولا أدوات التحقق، مما يجعلنا إما أن نقبلها ونسلم بها أو نرفضها، والقبول والرفض لم يُبن عن تحقق علمي. ويزداد الأمر أهمية في تلك النظريات التي تفتح خلفها أبوابًا في غاية الإشكال، فلم يكن من الحكمة والحال هذه أن نُقبِل على هذا النوع من النظريات، إما لعدم فائدتها المباشرة وغيرها أولى وما تثيره من ضرر أكثر مما تفتحه من نفع إن كان فيها نفع، أو لعدم قدرتنا العلمية والمادية من التعامل الإيجابي مع مثل تلك النظريات الجديدة.