كانت فترة احتكاك مثقفي النصارى العرب بالغرب فترة ظهور المذاهب الوضعية والمادية ونجاح العلمانية في فرنسا بالذات، فانعكس ذلك في صحافة النصارى العرب بشكل أو آخر، وكان من أخطرها الموقف من العلوم الحديثة ومناهجها ونظرياتها، ولاسيّما أن ما انشغل به المسلمون واعتنوا بطلبه من الغرب آنذاك هو العلوم الحديثة والصناعات، فجاءت هذه الصحافة ولاسيّما ما ذُكر من نماذج، وكأنها تلبي رغبة المجتمع آنذاك في طلبه لمثل هذه العلوم، ولكن تغطيتها للحديث قد اعتراها ما أفسد مسيرة العلوم وتسبب -مع غيره- في إفساد تصور العلوم الحديثة والانحراف في التعامل معها، يوضحه الآتي:
١ - فمن ذلك التحول من العلوم إلى النظريات والأفكار والتصورات: كانت بداية التحديث وطلب النهضة في البلاد الإِسلامية محصورة في إصلاح الجيش وطلب العلوم البحتة وبعض الأمور الصناعية، ومثل هذه الأمور تبقى محايدة لا تُحدث آثارًا مباشرة في المجتمع وثقافته، ولا تصطدم مع ثقافة الأمم المختلفة، ولكن الصحافة ذات الاهتمام العلمي حولت الأنظار إلى مسائل مرتبطة بالحركة العلمية الحديثة ونابعة من ثقافات الأمم الأخرى، ولاسيّما في مجال النظريات والمناهج والتصورات وفلسفة العلوم، ومن الطبيعي هنا أن يقع الاختلاف وربما الاصطدام.
كانت المعاهد المنتشرة لتدريس العلوم الحديثة والصناعات بعيدة إلى حد ما عن هذه المشكلات، مهمومة ببعض الأمور النافعة، لكن جاء اليوم من يقول: إن ما يدرسه هؤلاء ليس كل العلم، بل ربما تركوا ما هو أهم منه مثل فلسفة العلوم ذاتها، هذا بعض ما توحي به الصحافة، ولكن القراء قد يظنون أن هذه الأمور الخطيرة هي العلم الحديث، فيقع الخلاف، وتنشغل الأمة عن الأهم، وتنشغل النخبة بالأمور المشتبهة ويتركون النافع، فإذا علمنا أن المشتغلين بالعلوم الحديثة النافعة هم قلة، وجاء ما يعطل مسيرتهم من إدخال الاختلاف حول قضايا لا يضرّ تأخيرها ويضر تقديمها، فكم من حوارات وردود، وما سبّبَ كل ذلك من اضطراب اجتماعي وما تبعه من إجراءات سياسية.
ربما يعود الإشكال إلى ارتباط الصحافة العلمية أول أمرها بطائفة نصرانية تخالف في دينها وثقافتها المجتمع الذي تعيش فيه، لذا لم يكن يهمها ما ترمي به المجتمع المسلم عبر وسائلها الإعلامية، ولاسيّما مع ارتفاع الحرج عندهم في