الليبرالي والقومي والماركسي والاشتراكي، وبعضها تكوّن لها أحزاب كبيرة في العالم الإِسلامي، وأوكل لها الاستعمار قيادة كثير من البلاد الإِسلامية بعد رحيله، وكان لهذه التيارات الفكرية وأحزابها السياسية مجلّاتها المختلفة التي وظفتها في خدمة رسالتها التغريبية، ومن ذلك انحرافها الكبير بالعلم الحديث ومناهجه ونظرياته والاستغلال الأيديولوجي القبيح للعلم بما يخدم أصولهم الفكرية التغريبية ويحقق رغبتهم في مسخ هوية الأمة، بدأ الانحراف بالعلم عبر الصحافة داخل صحافة نصرانية وبين النصارى أنفسهم، ثم تحول ذلك إلى الصحافة عمومًا، منه ما يتوجه للمسلمين ومنه ما يتوجه إلى غيرهم، ثم أصبح من أبناء المسلمين من سلك طريق التغريب، وأنشأ صحافة تتوجه للرأي العام وتمارس دورها في الانحراف بالعلم.
ماذا فعلت الصحافة النصرانية التغريبية؟
أطلتُ الحديث عن الصحافة؛ لأنها -إلى حدٍ ما- تعدّ مرآة التيارات الناشطة آنذاك، فتُصور لنا طبيعة الموضوعات التي كان يتداولها أولئك القوم، والتفاعل الناتج عنها، فاكتسبت من ذلك أهميتها في آية دراسة تحاول تحليل مرحلة أو قضية فكرية، كما أنها منبر التوجيه والتأثير في المجتمع، فإن لم تؤثر فهي تُعبّر عن رغبات قوم يمارسون دورهم من أهم منفذ جماهيري أتيح في العصر الحديث وهو الصحافة، وتعطي للبحث صورة شبه كاملة عن المشاكل المرتبطة بظهور العلوم العصرية والنظريات العلمية والمذاهب المصاحبة لها، إنها إلى حدٍ كبير تعطي تصورًا جيدًا عن واقع المجتمع آنذاك في طريقة تفاعله مع هذه العلوم ونظرياته.
فتحت الظروف التاريخية المعاصرة الفرصة للنصارى أن يمتلكوا الصحافة الأهلية الناجحة، ومنها تلك الصحافة الموجهة لرعاية المعارف العصرية والأفكار والآداب والفنون الحديثة، وأصبحت بذلك النافذة الشعبية الوحيدة السهلة للوصول إلى تلك المعارف. ومن الطبيعي لصحافة يديرها النصارى أن تظهر رغباتهم من خلالها وتُبث أفكارهم فيها، وبسبب اختراق المذاهب العلمانية لأكثر مؤسسي تلك الصحف، فقد تحولوا إلى أبواق دعائية تنشر -بحسب الظروف- ما يمكن نشره من تلك المذاهب.