رغم هذه الخاتمة الصعبة للمجلة واختفائها، إلا أنها زمن حضورها أثارت قضايا خطيرة، ومما خفف من أثرها تغير الأحوال النسبي في العالم الإِسلامي، حيث برزت نماذج إسلامية دخلت الصراع فخففت من انتفاشة الصحافة العلمانية التغريبية ذات الإدارة النصرانية، ومع اختلافي المنهجي مع طريقة الشيخ محمَّد عبده كما سيظهر في الفصل الخامس إلا أنه لا يسعنا إلا شكره على هذا الجهاد الذي قام به ضدّ المدّ التغريبي النصراني، والجهاد واجب على الجميع عندما يقتحم العدوّ بلاد المسلمين أو عقولهم، ولكل مجاهد حظه من الشكر وإن كان بعض المجاهدين قد يصيب ويخطئ، كما أن بيان خطر هذه المجلة لا يعني فراغها من المفيد والنافع ولكن الذي أثار الواقع الثقافي هو تلك المواد السيئة حول الإسلام.
لقد كانت الصحافة المشهورة آنذاك بيد اليهود والنصارى، وللأسف، فمنهم من حصل على الدعم من قبل المسلمين، فتمكنوا من نشر ما يريدون، وهناك عدد آخر من النماذج الخطيرة، ولكن كونها تدور في ذلك "المقتطف" و"الجامعة" فإنني خشية الإطالة أكتفي بهما، وإلا فهناك مجلة "الهلال" وهي رغم مصاحبتها للمقتطف فهي ما زالت تصدر إلى الآن، وهناك مجلة "الضياء" لإبراهيم اليازجي في مجلداتها الثمانية (١٨٩٨ - ١٩٠٦ م)، وعدد آخر من المجلات يصدر لفترات زمنية -تطول أو تقصر- ثم تُقفل أو تختفي.
ثم بدأ في الربع الثاني من القرن الرابع عشر/ النصف الأول من القرن العشرين مجلات أخرى جديدة لقيادات فكرية مشهورة، منها ما كان للنصارى وكان من أشهرها مجلة "المجلة الجديدة" لسلامة موسى (١٩٢٩ - ١٩٤٢ م)، ومنها ما كان للمتغربين من المسلمين مثل مجلة "العصور" لإسماعيل مظهر (١٩٢٧ - ١٩٣١ م)، وبدأت مدن أخرى تعرف الصحافة، فظهرت من دمشق مجلة "الطليعة" سنة (١٩٣٥ م) كأول مجلة ذات توجه اشتراكي ماركسي (١)، وغيرها، ولكن المذكورة كانت تزعم في دعواتها التغريبية والعلمانية والإلحادية استنادها إلى العلم الحديث.
كما أن فترة الاستعمار ساعدت على ميلاد تيارات فكرية تغريبية أهمها
(١) انظر: العلمانية من منظور مختلف، د. نذير العظمة ص ٢٣٢ - ٢٣٣.