الذي رعته الإرساليات، وكان منهم العلماني الذي كان دوره أبرز في مسيرة التغريب، وقد تولى هؤلاء كثيرًا من المؤسسات مثل: المطبعة والصحافة والمدارس العصرية والكليات التي أسسها الاستعمار، وأسهم الكثير منهم في إنشاء الجمعيات "الماسونية" في القرن الثالث عشر/ التاسع عشر، ثم الجمعيات "القومية" و"الليبرالية" و"الماركسية" في أوائل القرن الرابع عشر/ العشرين، ثم في المذاهب الفلسفية وتيار الحداثة منتصف القرن نفسه وما بعده، فإن كل البحوث حول هذه الجمعيات والتيارات والأحزاب التغريبية قد شاركت فيها تلك الأقليات بدور كبير. وهذا الدور قد تحدث القرآن عن جنسه وذلك بحديثه عن طرق اليهود والنصارى في مواجهة الإسلام.
كما عرف الإسلام الفِرَقَ قديمًا فقد عرف المذاهب الفكرية حديثًا، ويمكن وضع تفريق يساعد على الدراسة، فالفِرقة غالبًا تكون أصولها دينية، فسبب افتراقها الأول هو الأصول الدينية التي أخذت بها، أما المذاهب الفكرية فأغلبها قد نشأ في الغرب العلماني النافر من الدين والساعي إلى تأسيس حياة فكرية بعيدة عنه، ومع ذلك فهي غير بعيدة عن الفِرَق الدينية؛ لأن كثيرًا من هذه المذاهب قد جعل من تلك الأصول الفكرية شبيهًا بالأصول الدينية، فعند معتنقيها من الإيمان بها والثبات عليها ومقاومة من يخالفها مثل ما عند الفِرَق وربما أكثر، ومن الأمثلة على ذلك أصحاب الاتجاهات الماركسية.
وقد كان لهذه التيارات الفكرية التغريبية الدور الأقوى في نشر التغريب، فالظواهر الجديدة في حاجة إلى دعاة يرعونها وينشرونها بين الناس، وقد كان هذا من دور تيارات التغريب التي تغلغل التغريب في أصحابها كما يتجارى داء الكلب بصاحبه، وقاموا على نشره بين الناس، ولاسيّما بعد أن وجد فيهم الغرب أداة مناسبة لمواصلة الهيمنة الفكرية وغير الفكرية على العالم الإسلامي.
وتختلف التيارات الفكرية -ولاسيّما إذا أصبح لها جمعيات وأحزاب- عن غيرها بتلك القوة التي تحصل عليها بسبب توحد معتنقيها في تيار واحد يجمعهم وينظم جهودهم وحركتهم، وقد مكنتهم تلك القوة في بعض الفترات من الوصول إلى السلطة ومن ثم استغلال مؤسسات الدولة في بثّ التغريب، ومن