لقد أصبح للإعلام شأنه في العصر الحديث؛ ولاسيّما بعد الاكتشافات المهمة للطباعة وما لحق بها من ظهور الصحافة ثم اخترع الإذاعة ثم الشاشة وقدرتها على توجيه الرأي العام. وقد كانت الصحافة الفكرية مخصصة لنخبة المجتمع، وقد لعبت الصحافة التغريبية دورًا خطيرًا في نشر التغريب، ولاسيّما أن انطلاقة مشروع الصحافة كان مع النصارى ولاسيّما الجيل المتغرب منهم، فبثّوا التغريب والعلمنة وأمراض كثيرة في وقت لم يكن لهم فيه منافس، مع حماية حصلوا عليها من بعض الولاة ومن الاستعمار فيما بعد.
خامسًا: الطباعة والترجمة:
لقد ازدهرت الطباعة والترجمة في العصر الحديث؛ فمع إدخال المطبعة نمت طباعة الكتب والمجلات والصحف، ومع تأسيس مدارس تعليم اللغات الغربية نمت ترجمة الكتابات الفكرية والعلمية الغربية، ولكن المكتبة الغربية العلمية عسيرة على الترجمة وعلى الفهم إلا من قِبَل عدد قليل، فجاء التحول إلى ترجمة ما لا ينفع أو ضرره أكثر من نفعه من الكتابات الفكرية والأدبية والفنية، ولاسيّما أنها ممتعة وغير عسيرة مثل الكتابات العلمية، ولكن ليس كل ممتع مفيد، ومن هنا جاء التوسع في طباعة الفكر الغربي المترجم، وهو فكر غلب عليه العلمنة والتكذيب بالدين والانفلات من قيمه. لقد كان لفوضى الطباعة والترجمة أثرهما على مسيرة الفكر الحديث، وأسهمت في توسع التغريب.
سابعًا: دور الأقليات الدينية:
لقد لعبت تلك الأقليات دورًا بارزًا في التغريب، فقد كانت أداة اختراق استخدمها الغرب لتغريب العالم الإسلامي، وذلك أن هذه الأقليات تملك صلات بالطرفين: بالعالم الإسلامي من جهة سكناها ومعرفتها الجيدة بواقع المسلمين، وبالغرب من جهة الروابط الدينية. وقد بدأ الأمر بالتدخل الغربي والضغط على الدولة العثمانية بطلب إعطاء امتيازات خاصة لتلك الأقليات والسماح للغرب بالتواصل معها، فتعلموا اللغات الأوروبية وحصلوا على رعاية أوروبية ودعم كبير، وصنع منهم الغرب نخبة متعلمة نجحت في التغلغل في مفاصل المجتمع الإسلامي الثقافية والفكرية والاجتماعية، وقد كان منهم المتدين