للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقفة مع مشروع الانقلابيين في تركيا حول التعليم:

كان "أحمد رضا" من المشاركين في المحافل الماسونية، وكان مديرًا للمعارف، وفي الوقت نفسه متأثرًا بفيلسوف أوروبي بارز هو فيلسوف الوضعية في (١٣ هـ - ١٩ م) "كونت"، ومذهب "كونت" يقوم على أن تاريخ البشرية يمر بثلاث مراحل: دينية ثم ميتافيزيقية ثم علمية، ولذا يعتبر أحد فلاسفة العلم، وأحد دعاة الاكتفاء بالعلم وإلغاء الدين، وعند إقامة أحمد في باريس كتب كتابات يدافع فيها عن الإِسلام (١)، ولكنه تأثر في الوقت نفسه بـ"كونت" وربما كان لذلك آثاره في غلوه العلماني فيما بعد، فبعد الانقلاب (١٩٠٨ م) كان أول رئيس، وفي ذلك يقول "رامزور" في كتابه "تركيا الفتاة وثورة ١٩٠٨ م": "إن أحمد رضا باعتباره مؤيدًا طيبًا للفلسفة الوضعية، لم يكن مسلمًا صالحًا؛ لأن أوغست كونت -زعيم الفلسفة الوضعية- لم يكتف فقط بإعادة تنظيم العالم لأتباعه، بل وضع لهم أيضًا تعاليم خاصة بالدين؛ أي: أوجد لهم دينًا جديدًا تشبث به أحمد رضا ودافع عنه ودفع إليه" (٢)، وذكر "شوابكة" بأنه رفض أن يلفظ كلمة "الله" المندرجة في القانون الأساسي عند أدائه اليمين القانوني في المجلس بتأثير مبادئه الوضعية المادية (٣). فمثل هذا القيادي المهم وتحت تأثر تصوره حول العلم سيسعى قطعًا مع رفاقه إلى تحول ذلك التصور إلى مشروع، وقد استغرق منهم سنوات مع "الاتحاديين" و"الكماليين"، وقد كان "كمال أتاتورك" يرى (٤) "أن الروح الإِسلامية تعوق المتقدم" الذي هو شعار جماعة "الاتحاد والترقي"، وقام بأعمال منها:


(١) انظر: أسس التقدم عند مفكري الإِسلام، فهمي جدعان ص ١٧٣، وأما "كونت" فقد سبق الحديث عنه في الفصلين الأولين.
(٢) حركة الجامعة الإِسلامية، أحمد شوابكة ص ٣٠٩.
(٣) انظر: المرجع السابق ص ٣١٠ وهو الذي أدخل كلمة "الترقي" في اسم الجمعية (الاتحاد والترقي) تحت تأثير فكرة التقدم الكونتية، انظر: تاريخ الدولة العثمانية. . . .، الصلابي ص ٥٠٤.
(٤) أنشأ حزب الشعب الجمهوري، الحزب الوحيد (١٩٢٣ - ١٩٥٠ م) كان ذا آيديولوجيا يراها د. علي مقلد (تركية طورانية ملحدة. فهو من جهة يشبه الحزب الراديكالي الاشتراكي في فرنسا من حيث معاداته للدين. وتبرز هذه الصفة بعنف في كل بلد كل مؤسساته قائمة على الدين. . . .)، انظر كلامه الحسن حول الطورانية: الموسوعة الفلسفية العربية ٢/ ٨٢٩ والشاهد في صفحة ٨٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>