أقف الآن مع جزء خطير من الأدوار التي لعبها المستعمر، بتحليل حقيقة أثره في إدارة المؤسسات العلمية وإدارة التعليم داخل المستعمرات، وكذا إدارة الجانب الثقافي عمومًا من فكر وأدب وفنون وإعلام، على أن ما يهمنا في كل ذلك هو ما زرعه المستعمر من مشكلات حول العلوم العصرية.
نبدأ ببعض المعالم الأساسية حول حال المستعمر، ولاسيما في الجانب العلمي، وهي تكشف لنا كيف تحرك من خلال العلم العصري ومؤسساته داخل البلاد المحتلة وأثر ذلك على العالم الإِسلامي، ومن أهم هذه المعالم ما يأتي:
أولًا: أن الدول الاستعمارية هي المالكة في ذاك الوقت للعلوم الحديثة، بعد أن طورتها ووظفتها في بناء مدنيتها الحديثة، فهل ستُهدي المسلمين هذه العلوم بما في ذلك من احتمال حصول المسلمين على القوة، أم أنها ستحرمهم منها وتركز على نشر ما لا نفع فيه إلا إثارة المتعة، والوجدان وبلبلة الأذهان وإشغالها بمذاهب وأفكار وآداب وفنون تفسد الشعوب أو تخدرها أو تعطلها عن رسالتها ومهمتها في الوجود؟
ثانيًا: تدرك الدول الاستعمارية مكانة المؤسسة العلمية في صناعة الشعوب وخروج القيادات العلمية والفكرية والاجتماعية، فكيف ستدير التعليم؟ وما المشكلات التي بذرها الاستعمار في التعليم؟ وما نوع التعليم الذي سيديره؟ وكيف ستوضع العلوم العصرية داخل هذا التعليم؟ وكيف ستكون العلاقة مع التعليم الإِسلامي؟
ثالثًا: كانت أول محاولة جدية لاختراق العالم الإِسلامي واحتلال جزء منه مع الحملة الفرنسية على أرض مصر، وكان يصحب هذه الحملة العسكرية "حملة علمية" مكونة من علماء في أهم التخصصات الحديثة، بكتبهم ومختبراتهم وأدواتهم فأسسوا حيًا علميًا متكاملًا داخل القاهرة، فما سرّ هذا التحول في الفكر الاستعماري؟ وما وجهة هؤلاء العلماء وما مذهبهم؟
رابعًا: يؤثّر في المستعمِرين نظام فكري جديد اقتحم أرجاء أوروبا، كما أن هذا الجيل تدفعه رغبة جامحة للاستيلاء والغزو والبحث عن الغنائم بسبب نظام مادي جديد اقتحم حياة الأوروبيين، وكلا النظامين له ارتباط بالتطورات العلمية، فأول جيش استعماري تمثل في حملة نابليون، وهي حملة جاءت بعد الثورة الفرنسية التي انبثق عنها نظام فكري جديد يقوم على علمنة الحياة وإعطاء