وترتبط بالاستعمار وريثته الصهيونية، فما خرج الاستعمار إلا بعد غرس جرثومة خطيرة داخل العالم الإسلامي، تقوم برعاية اليهود داخل البلاد الإسلامية ولاسيّما من خلال دولتهم التي أقاموها في فلسطين، وتقوم في الوقت نفسه برعاية المصالح الغربية، ويتبع الدور اليهودي دورُ الأقليات السابق ذكرها، وقد حدثنا القرآن عن التعاون بين اليهود والمنافقين وبين اليهود وأعداء الإسلام من المشركين، وهو يتكرر في زمننا هذا، ولاسيّما من جهة التعاون العلني والخفي بين اليهود وبين المتغربين، مع أن وضع دولتهم قد نفَّر المجتمعات المسلمة من كل متغرب يظهر تعاونه معهم، فتبقى الأدوار الخفية هي الأهم في هذا الباب.
أما التيارات الفكرية الغربية فهي تيارات ذات أبعاد أيديولوجية، وترغب مع دعاتها في تعميم فكرها، وقد رحل السيمينيون أتباع سان سيمون والماسون مع الحملات الأولى لبث أفكارهم ومشروعاتهم داخل العالم الإسلامي في القرن الثالث عشر/ التاسع عشر، أما في القرن اللاحق فقد نشط المعسكران: الشيوعي والرأسمالي في الانتشار من خلال التيارات الفكرية داخل العالم الإسلامي، وقد كانت التيارات الغربية تحصل على الدعم من أجل مدّ النفوذ داخل البلاد الإسلامية لتغريب المجتمع، ومن الطبيعي أن يرعى كل تيار غربي الفرع العربي الذي يمثله داخل البلاد الإسلامية.
فهذه القوى الغربية الخطيرة نشطت نشاطًا محمومًا داخل العالم الإسلامي لما يقرب من قرنين من أجل تغريب المجتمع، ولا يُستغرب نجاحه في إيجاد طائفة متغربة، فنشاطٌ بكل هذه القوة الفكرية والمادية وأخَذَ كل هذا الوقت ومارس كل الأساليب لابد أن يحقق ثمرة جهده، ومع ذلك فقد كان لمشروعات الجهاد الإسلامية الفكرية والمادية دورها في تخفيف وطأة الهجمة التغريبية وإبطال كثير من مشروعاتها.
فهذه مجموعة أسباب كان لها دورها في ظاهرة التغريب، وقد يكون بعضها أكبر من بعض ولكنها بمجموعها تشبه النهر وروافده، فالانحراف الفكري الحديث يشبه النهر الملوث، وهذا النهر تكوَّن من مجموعة من الروافد التي تصب فيه، فهي تأتي من أماكن مختلفة، وبعضها يلتقي قبل الصب فيه، ثم تصل إليه ملوِّنةً ماءه بحسب ما تلوّنت به، ومغيِّرةً وضعه بحسب حالها، وهي إن كانت غزيرة وكثيفة زادت من قوته، وإن كانت ضعيفة ضَعُفَ حال ذلك النهر، وبقدر ما