تُقفل تلك الروافد أو يُخفف من حجمها أو يُغيَّر في تركيبتها السيئة بقدر ما يكون لذلك له أثره في هذا النهر.
لقد كان لهذه الأسباب دورها في ظاهرة التغريب، وأصبح الاتجاه التغريبي اتجاهًا واضحًا في المجتمع المسلم، وهو اتجاه لا يتفق مع هوية الأمة، وهو خليط من تيارات تختلف في مسافة بُعدها عن الدين، ففي بعض مستويات هذا الخليط نجد الإلحاد الصرف الذي يجعله في أقصى الشرّ، ومنه ما هو دون ذلك. وهذا الخليط الفكري والاجتماعي المنحرف يحتاج إلى الدعوة والمجادلة والمجاهدة، فالدعوة تكون في حق كل غافل أو ضال وهم كُثُر في هذا الاتجاه، كما أنهم موضع مجادلة ومجاهدة واحتساب من قبل العلماء والمفكرين والباحثين، والنموذج التغريبي ليس بجديد وإن غيّر من شكله، ولذا فالموقف الدعوي والاحتسابي ليس جديدًا أيضًا، وهذا من قَدَر هذه الأمة الكوني والشرعي؛ فالكوني بظهور الانحراف، والشرعي بالقيام على تغييره أو الحدّ منه، لتظهر عبوديات كثيرة من دعوة ومجاهدة ومجادلة واحتساب وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وبهذا لا نستغرب وجود تيار ضال، ولكن من المهم تحقيق العبوديات التي أُمرنا بها بحسب الحاجة وحسب الاستطاعة.
° الفكر التغريبي والعلم الحديث ونظرياته:
بعد أن تعرفنا على العلم الحديث ونظرياته وعلى الفكر التغريبي وأسباب نشأته، يأتي الحديث عن العلاقة بينهما، فهدف البحث هو الدراسة النقدية لمشكلة العلاقة السيئة بين الاتجاه التغريبي وبين العلم الحديث ونظرياته؛ وذلك أن الاتجاه التغريبي بسبب توجهه العلماني وقع تحت تأثير علمنة العلم الغربية وما ارتبط بها من مناهج ونظريات وفلسفات ذات موقف سلبي أو عدائي لكل ما هو ديني.
ويدور الأمر بين التأثر بفلسفات ارتبطت بالعلم ونظرياته أو استغلت العلم ونظرياته من جهة، وهذا غير مستغرب من اتجاه وقع في أسر تقليد المذاهب الغربية، وبين الاستغلال للعلم الحديث ونظرياته في مواجهة الإسلام من جهة أخرى، وهو غير مستغرب أيضًا من اتجاه انفصل عن أمته والتصق بالعلمانية والمادية، وما بين هذين الأمرين "التأثر والاستغلال" قامت علاقة الاتجاه التغريبي بالعلم الحديث ومناهجه ونظرياته وفلسفته.