للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ستجدون لكم، ولأطفالكم ولعائلاتكم، أراضي أكثر شساعة وخصوبة من تلك التي تركتموها بين أيادي الغزاة المحتلين. . . . أقدُموا إذن، فنحن على استعداد لاستقبالكم كإخوان، وكذا تسهيل الأعمال عليكم، علاوة عن مشاطرتنا آلامكم. . اقدموا لنساهم جميعًا في تكوين، وعلى هذه الأرض الملحدة، سكان مثابرين مخلقين، مسيحيين. . ستكونون الرسل والمبشرين الحقيقيين أمام الله وأمام الوطن. . . ." (١). وما بين الخطابين: الدبلوماسي والصريح الوقح تكمن حقيقة واحدة هي قسوة الاستعمار وعمله على تدمير أمة بكل طريقة ممكنة.

من الظواهر الملفتة هذا التعاون العجيب بين جيش علماني مخترق بتيارات ومذاهب، ظهرت في أوروبا لا تقيم وزنًا للدين مع الإرساليات التنصيرية، ومما يفسر ذلك على أرض الواقع أن الجيوش الاستعمارية قد سبقها إلى العالم الإِسلامي تلك الإرساليات التنصيرية، وتلك الإرساليات وجدت أن أفضل طريقة للتغلغل داخل العالم الإِسلامي، والتأثير فيه هو عن طريق التعليم، وقد اطلعنا على أثرها في فقرة "مدارس الإرساليات" فوجدت الجيوش الاستعمارية فرصة ذهبية في هذه المدارس، فكونت من خلالها منظومة التعليم الذي ستفرضه على البلاد المحتَلة ليكون منافسًا، بل بديلًا عن التعليم الإِسلامي. ولم تكن مدارس الإرساليات تمانع من استخدام أي وسيلة لضرب المعتقد الإِسلامي، وفي ذلك يقول أحدهم: "إن مقاومة الإِسلام بالقوة تزيده انتشارًا، أما الوسيلة الفعالة لهدمه وتقويض دعائمه فهي تربية دينية في المدارس التبشيرية أو المسيحية ونفث جراثيم الإلحاد في صدورهم منذ نشأتهم من حيث لا يشعرون، فإن لم يتنصروا فقد أصبحوا لا مسلمين ولا مسيحيين" (٢)، فمع هذا الاتفاق بين الديني والعلماني وجد الاستعمار أفضل قوة يغزو بها العالم الإِسلامي في مجال التعليم هو حركة التبشير بما قد أسسته من نظام تعليمي خطير داخل العالم الإِسلامي (٣).


(١) انظر: المرجع السابق، مالكي ص ١٣٦.
(٢) كاتب فرنسي نقلًا عن موسوعة أنور الجندي (التبشير والاستشراق والدعوات الهدامة) ٥/ ٨٨، قسم: (مخططات التبشير والاستشراق).
(٣) انظر: المرجع السابق، (عالم الإِسلام المعاصر) ٣/ ٢٩٧، ٣٠١، ٣٠٥، وانظر: (المجتمع الإِسلامي) ٦/ ٣٠١ - ٣٠٢، قسم: (التربية الإِسلامية)، وانظر: (المنهج الغربي) ٩/ ٢٦٢ وما بعدها، قسم: (من التبعية إلى الأصالة)، وانظر: (تاريخ الإِسلام) ٢/ ٦٥٩، قسم: (من الوحدة الإِسلامية العثمانية إلى الترك والعرب).

<<  <  ج: ص:  >  >>