للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الثانية وهي الأخطر؛ لأنّ المقصود إقصاء التعليم الإِسلامي، ولن يتحقق ذلك إلا بتكوين تعليم يحقق ذلك الهدف، وكان من أهم الأمور هو نزع الإِسلام من حقل التعليم، وكذا التاريخ الإِسلامي وكل ما يُذكّر الطالب بإسلامه، وقد تولى "دنلوب" هذه المهمة في مصر (١)، ونجح فيها تحت قوة عسكرية تحميه، لدرجة أن كبير المنصرين -زويمر- في تلك المرحلة يعلن بكل وقاحة: "إن السياسة الاستعمارية لما قضت من نصف قرن على برامج التعليم في المدارس الابتدائية أخرجت منها القرآن، ثم تاريخ الإِسلام، وبذلك أخرجت ناشئة لا هي مسلمة، ولا هي مسيحية، ولا يهودية. ناشئة مضطربة مادية الأغراض لا تؤمن بعقيدة ولا تعرف حقًا فلا للدين كرامة ولا للوطن حرمة" (٢).

وفي السياق نفسه جاءت شهادة "هاملتون جب" في كتابه: "وجهة الإِسلام" أن التعليم كان أكبر عامل في تغريب المجتمع المسلم، وفيه يقول: "وفي أثناء الجزء الأخير من القرن التاسع عشر نفذت هذه الخطة إلى أبعد من ذلك بإنماء التعليم العلماني تحت الإشراف الإِنجليزي في مصر والهند"، ثم ذكر كيف أضعفت هذه المدارس "النزعة الإِسلامية" عند التلاميذ ثم قال: "لقد استطاع نشاطنا التعليمي والثقافي عن طريق المدارس العصرية والصحافة أن يترك في المسلمين، ولو من غير وعي منهم أثرًا يجعلهم في مظهرهم العام لا دينيين إلى حد بعيد" (٣).

ولا شك أن شهادة هؤلاء لها ثقلها لقربهم من مجال التعليم وصلتهم بالحركة الاستعمارية، وإن كانت ربما تخفي في طياتها رغباتهم أكثر مما هو موجود في الواقع، وكنا سنشك في هذه الشهادات الخطيرة لولا إقرار كثير من المفكرين المسلمين بهذه الحال في المجال التعليمي، ولولا اعترافات طلاب تلك المدارس فيما بعد، ومن ذلك ما قاله الأستاذ "محمَّد لطفي جمعة": "إننا تعلمنا في المدرسة الثانوية. . . . في أوائل هذا القرن (١٩٠١ - ١٩٠٢ م) وكان أستاذنا في التاريخ المستر هيل" حيث أعلى من شأن تاريخ أوروبا وشوه تاريخ


(١) انظر: موسوعة الجندي (التبشير والاستشراق والدعوات الهدامة) ٥/ ٥١.
(٢) موسوعة الجندي (المجتمع الإِسلامي) ٦/ ٣١٩.
(٣) المرجع السابق ٦/ ٣٣٧ - ٣٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>