التي فتح لها المجال، وكانت إدارتها وتوجيهها -غالبًا- بأيد غير أمينة فلوثت مستقبل هذه المؤسسة المهمة، وأصبحت في بعض الفترات تمثل معاناة للأسرة المسلمة، وقال مفكر عاصرها: إن الطالب يدخلها بدين ويخرج منها بدين، فكيف نأمل من مدرسة بمثل هذه الحال أن تنجح في الرقي بالعلوم دون ضياع الدين، بل على عكس ذلك فقد تحولت إلى جاذب لما يضر بهوية الأمة دون أن تحقق الاستقلال الحقيقي في العلوم النافعة. وستبقى هذه العلوم تائهة ومضرة ما لم يملك العالم الإِسلامي مؤسسته العلمية؛ أي: يملك وضع التصور والرؤية والرسالة والأهداف والقيم.
ثالثًا: أما أثر الإعلام، ولاسيما المكتوب منه فهو خطير، ويظهر بوضوح في الرأي العام، وليس المقصود عموم المجتمع وإنما طبقته المتعلمة والمثقفة التي تجد مصدر معرفتها من هذا المنبع، وهو الغذاء المعرفي الذي يكوّن تصور القارئ ورؤيته ومواقفه، وهم طبقة مهمة وفي ازدياد، هذه الطبقة تتشرب رؤيتها وتصورها في العصر الحديث من خلال وسائل الإعلام، وقد نشأت صحافة علمية أو تهتم بالعلوم العصرية ولكن سبق إليها قوم تأثروا بالتغريب، وبلغ ببعضهم مبلغًا من كره الإِسلام والدين والرغبة في هدمه، واستعانت تلك الصحافة بتوظيف العلم ونظرياته في مآربها، وصوّرت العلم كأنه عدو للدين أو على أحسن أحوالهم جعله الممثل الحقيقي للصواب والمعرفة والعقلانية والنفع بخلاف الدين الذي قد أدى دوره بحسب زعمهم في زمن مضى وهو يسلم دوره الآن للعلم. وذلك الحدث يلفت الانتباه لخطورة الإعلام وأهمية دوره في صناعة الرأي العام والتأثير فيه، ومن المهم للمشروع الإِسلامي التصحيحي والتجديدي الانتباه لوسيلة الإعلام، واعتبارها مشاركًا مهمًا لأي مشروع تصحيحي وتجديدي في مجال النهضة العلمية، وإن ما غرس من خلال الإعلام لسنوات طويلة حول العلم ومناهجه ونظرياته مما يعارض الدين يحتاج منا استخدام الوسيلة نفسها لإصلاح ذلك ثم للتجديد والنهوض، وبالله التوفيق.
رابعًا: وهو أكثرها إشكالًا؛ أي: تلك التيارات الفكرية المتغربة، ولاسيما ما له علاقة بمشكلة البحث، فهذه التيارات بأشكالها المختلفة متأثرة كثيرًا بقدوتها الغربية، ومن ذلك: اصطناع مشكلة بين الدين والعلم، وتوظيف العلم الحديث في هدم الدين، أو جعله بديلًا عن الدين، أو علمنة العلم. وإشكاليته