أن صاحب الهوى يجتهد في نشر هواه، ويدافع عن ذلك ويستغل كل وسيلة لتحقيق هدفه، كما أنه مولع بتقليد قدوته لدرجة أنه لو دخل جحر ضب لدخله كما في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم، قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن"(١)، فهذا يمثل عامل استمرار للمشكلة، فكلما انطفأت أوقدوا نارها بشبهة جديدة، وهو في المقابل عامل تحفيز للفكر الإِسلامي أن يبقى مناضلًا في مشروعه ومجاهدًا جهاده العلمي والفكري لمثل هؤلاء الضالين أو المضلين.
خامسًا: أما الاستعمار ورغم انقشاعه عن العالم الإِسلامي، فإن آثاره عميقة وخطيرة، ويكفي ذلك التحالف مع الطرف السابق -التغريبي، وثمار ذلك التحالف في استمرار مشروع الاستعمار بأيد من بني جلدتنا، وخطورته تتمثل في تركيزه على علم يخدم الاستعمار دون أن يحقق قوة الأمة واستقلالها المعرفي، وما زال المستعمر القديم يخدع من ينخدع له بمشروعاته التي تضمن استمرار سيطرته وتفوقه. ولا شك أنه رغم ذهابه الظاهر إلا أنه ما زال يمثل تحديًا للفكر الإِسلامي: من جهة الآثار العميقة التي خلفها وراءَه، ومن جهة المتغربين الذين يواصلون تنفيذ أهداف المستعمر، وأخطر ما قام به الاستعمار هو عملية إقصاء العلم الديني وجعله في مرتبة نازلة مقارنة بالعلوم الأخرى، وعملية الفصل بين علوم الدين وعلوم العصر مقتفيًا في ذلك التصور العلماني السائد في أوروبا، وبإدخاله فيروسات خطيرة في صلب العلم العصري الذي أدار مؤسساته لسنوات داخل العالم الإِسلامي، مما جعله قابلًا، بل جاذبًا للانحرافات بيسر وسهولة ودون مقاومة تذكر.
سادسًا: البيئة الجديدة التي تشكلت مع التحولات والتغيرات الحديثة، وهي تحولات ضخمة، ويكفي التأمل في المسائل السابقة على مستوى العلم والفكر والثقافة، لنعرف ضخامتها، وربما يشعر المحلل التاريخي أن أمة مرّت بهذه التغيرات مصيرها الفناء والزوال ومع ذلك فقد صمدت، بل تجاوزت عقبات
(١) البخاري برقم (٧٣٢٠)، كتاب الاعتصام، باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لتتبعن سنن من كان قبلكم"، وعند مسلم برقم (٢٦٦٩)، كتاب العلم، باب اتباع سنن اليهود والنصارى.