مهلكة، وهذا من حفظ الله لهذه الأمة. ولكن ظهرت بيئة جديدة من أثر العوامل السابقة تتحرك فيها الانحرافات بسهولة، وهي رغم انتفاشتها ضعيفة؛ لأنها تستمد قوتها من الانتماء لهوية مغايرة لهوية الأمة، وهذا ما تنفر منه النفوس عند انكشاف الحقيقة لها، ولكنها مع ذلك أصبحت أرضًا لاستمرار الانحراف بالعلم ولاسيما مع بروز تيارات فكرية تغريبية جديدة تنافس الفرق الدينية القديمة.
بقي التنبيه على أمرين يكشفهما التحليل التاريخي والمنهجي بوضوح، وهما: أن سبب البعد عن الإِسلام هو سبب الضعف والتخلف من جهة؛ لأن الأمة ما ارتقت إلا بعد أخذها هذا الدين بقوة، بل العالم كله تغير بعد ظهور الإِسلام، كما أن سبب ظاهرة الانحراف بالعلم تعود بحسب المظاهر السابقة إلى البعد عن الدين، فما كان لتلك العوامل أن تؤثر -لولا ضعف المسلمين وتقصيرهم- في التزامهم بدينهم، ويبرز الحل واضحًا لمعالجة الأمرين، وذلك بالعودة الصادقة لهذا الدين والاعتصام بالوحي والاتباع للنبي -صلى الله عليه وسلم- والاهتداء بهديه.
أما وقد تعرفنا على العلم الحديث في الغرب وتطوره، ثم مظاهر الانحراف به هناك، ثم تعرفنا على صور طلبه في العالم الإِسلامي والصعوبات التي قابلوها، ثم مظاهر الانحراف به في البيئة الإِسلامية، فسنتعرف الآن بإذن الله على الاتجاهات الكبرى التي ظهرت في العالم الإِسلامي في التعامل مع هذه المستجدات مع التركيز على صورتها المنهجية.