للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخط بالقلم. وروى سعيد عن قتادة قال: "القلم نعمة من الله تعالى عظيمة، لولا ذلك لم يقم دين، ولم يصلح عيش". فدل على كمال كرمه سبحانه، بأنه علَّم عباده ما لم يعلموا، ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم، ونبه على فضل علم الكتابة؛ لما فيه من المنافع العظيمة التي لا يحيط بها إلا هو. وما دُوِّنت العلوم، ولا قُيِّدت الحِكَم، ولا ضُبطت أخبار الأولين ومقالاتهم، ولا كتب الله المنزلة إلا بالكتابة، ولولا هي ما استقامت أمور الدين والدنيا. . . ." (١).

وقال الشيخ عطية سالم: ". . . . ثم لم يقتصر - صلى الله عليه وسلم - في عنايته بالقلم والتعليم به عند كتابة الوحي، بل جعل التعليم به أعم، كما جاء خبر عبد الله بن سعيد بن العاص: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يعلم الناس الكتابة بالمدينة، وكان كاتبًا محسنًا" ذكره صاحب الترتيبات الإدارية عن ابن عبد البر في الاستيعاب. وفي سنن أبي داود عن عبادة بن الصامت قال: "علّمت ناسًا من أهل الصفة الكتابة والقرآن". . . . وأبعد من ذلك ما جاء في قصة أسارى بدر، حيث كان يفادي بالمال من يقدر على الفداء، ومن لم يقدر -وكان يعرف الكتابة- مفاداته أن يعلِّم عشرة من الغلمان الكتابة، فكثرت الكتابة في المدينة بعد ذلك. . . . فإذا كان المسلمون -وهم في بادئ أمرهم، وأحوج ما يكونون إلى المال والسلاح، بل واسترقاق الأسارى- فيقدمون تعليم الغلمان الكتابة على ذلك كله، ليدل على أمرين:

أولهما: شدة وزيادة العناية بالتعليم.

وثانيهما: جواز تعليم الكافر للمسلم ما لا تعلُّق له بالدين، كما يوجد الآن من الأمور الصناعية، في الهندسة، والطب، والزراعة، والقتال، ونحو ذلك.

وقد كثر المتعلمون بسبب ذلك، حتى كان عدد كتَّاب الوحي اثنين وأربعين رجلًا ثم كان انتشار الكتابة مع الإسلام. . . . " (٢).


(١) تفسير القرطبي، ٢٠/ ١٢٠.
(٢) من تكملته أضواء البيان ٩/ ٣٥٦ - ٣٥٧، وحديث عبادة في سنن أبي داود برقم (٣٤١٦)، كتاب الإجارة، باب كسب المعلم، وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (٢٥٦)، وحديث أسارى بدر في مسند الإمام أحمد برقم (٢٢١٦) من طبعة بيت الأفكار الدولية، وقال فيه ابن كثير: انفرد به أحمد وهو على شرط السنن، السيرة النبوية ٢/ ٥١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>