علماء كبار من علماء الإِسلام، فقد رأينا مثلًا سعة اطلاع ابن تيمية وابن القيم على ما في عصرهم من علوم غير العلوم الشرعية، فتكون مشاركتهم عند ذلك في معالجة المشكلات النابعة من هذه العلوم أقوى وأكثر إقناعًا لخصومهم.
خصص الشوكاني للعلم، وطلبه، وعلومه، كتابه:"أدب الطلب ومنتهى الأرب" وذكر فيه ما ينبغي للطالب أن يدرسه، حتى وصل إلى العلوم البشرية الدنيوية، ونظرًا لأنّ هناك إهمالًا كبيرًا لها من قبل الأمة، ولاسيما أن فائدتها لم تظهر للناس؛ لأنها في حاجة إلى تحويل من النظري إلى العملي، وهو ما تكاسلت عنه الأمة في عصورها الأخيرة، فلا نجد عند علماء كأمثال الشوكاني بيانًا لأهميتها الدنيوية، وإنما تطلب لفوائد عقلية.
وكانت معاناة "الشوكاني" مع الرافضين لها تجعله يداري في تقديمه للموضوع، وهذا بخلاف الأعلام السلفيين في القرن الرابع عشر الهجري مثلًا، فلا توجد عندهم هذه المدارة، بل ليس هناك سوى الصراحة في الحثّ على تعلم العلوم الدنيوية، حتى وإن كانت في الغرب وفي بلاد الكفار، فيجب تعلمها والإحاطة بها والبراعة فيها، أما الإمام الشوكاني فكانت حدوده معروفة بسبب حال الأمة الضعيف، وبسبب المعارضة من قبل بعض أهل الدين، فنجد في كتابه:"أدب الطلب" نصًا له دلالاته المهمة، يقول الشيخ:"ثم لا بأس على من رسخ قدمه في العلوم أن يأخذ بطرف من فنون هي من أعظم ما يصقل الأفكار، ويصفي القرائح، ويزيد القلب سرورًا، والنفس انشراحًا، كالعلم الرياضي والطبيعي والهندسة والهيئة والطب"(١)، فالشيخ لا يتردد في ذكر فائدتها وأهميتها ولكنه كما سبق جعل ذلك محصورًا في صقلها العقل وسرور طالبها النفسي، ولم يكن عصرهم قد كشف حالها من جهة سعة فائدتها لحياة الناس وإلا لاختلفت صياغة النص، وتغيرت كلمة "لا بأس" وتغيرت "الفوائد المرجوة"، مع العلم أن هذه العلوم قد جعلها الشيخ لطالب العلم الشرعي، فبعد أن يُحصّل علوم الشريعة يطلع على هذه المعارف، وليست لمن يتفرغ لها كمن تفرغ للطب مثلًا.
(١) أدب الطلب ص ١٢٤، عن الانحرافات العقدية والعلمية. . . .، علي الزهراني ص ٦٤٤ - ٦٤٥.