للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو يُحذّر طالب العلم من الضعف أمام إكراه المجتمع، كذمه لهذه العلوم وذم من يقرأ فيها، فيقول: "وبالجملة فالعلم بكل فن خير من الجهل به بكثير، ولاسيما من رشح نفسه للطبقة العلية والمنزلة الرفيعة، ودع عنك ما تسمعه من التشنيعات، فإنها كما قدمنا لك شعبة من التقليد، وأنت بعد العلم بأي علم من العلوم حاكم عليه بما قد يكون لديك من العلم، غير محكوم عليك، واختر لنفسك ما يحلو، وليس يخشى على من قد ثبت قدمه في علم الشرع من شيء، وإنما يخشى على من كان غير ثابت القدم في علوم الكتاب والسنة، فإنه ربما يتزلزل وتحول ثقته" (١). وهو تنبيه للشيخ يمكن أن نُعبّر عنه بلغة عصرنا: بأهمية إعداد الجيل الذي سيتلقى هذه العلوم من جهة، وأهمية تصفية هذه العلوم -مادام أنها مهمة- مما خالطها من أفكار فاسدة تزلزل صاحبها وتحول ثقته من جهة أخرى، إنه بكلمات سهلة: التأصيل الإِسلامي لهذه العلوم بإيجاد البيئة الإِسلامية لها والمناخ المناسب، لتنمو في توافق مع الدين ونفع للدنيا، "فإذا قدمت العلم بما قدمنا لك من العلوم الشرعية فاشتغل بما شئت، واستكثر من الفنون ما أردت، وتبحر في الدقائق ما استطعت، وجاوب من خالفك وعذلك وشنع عليك بقول القائل:

أتانا أن سهلًا ذم جهلًا ... علومًا ليس يعرفهن سهل

علومًا لو دراها ما تلاها ... ولكن الرضا بالجهل سهل

وإني لأعجب من رجل يدعي الإنصاف والمحبة للعلم، ويجري على لسانه الطعن في علم من العلوم، لا يدري به ولا يعرف موضوعه ولا غايته ولا فائدته ولا يتصوره بوجه من الوجوه. . . ." (٢).

وهنا التنبيه الثاني المهم: أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، وبسبب الجهل أو الكسل يعتذر البعض بحيل نفسية للهروب من مواجهة الحقائق، وأيسر تلك الطرق: الرضا بالجهل لسهولته، مع ذم من تصدى لتلك العلوم، من باب رفع اللوم عن الذات. صحيح أن ما ثبت فساده وإفساده من العلوم فلا تردد في ذمها والتحذير منها، أما العلوم الصحيحة أو العلوم النافعة فلا يصح ذمّها أو ذمّ


(١) المرجع السابق نفسه.
(٢) عن الانحرافات العقدية والعلمية. . . .، علي الزهراني ص ٦٤٤ - ٦٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>