الاتجاه يمكن تصور موقفهم في ثلاثة مسارات: الأول: وهو الموقف السلبي، الذي آثر السكوت وعدم الانشغال بهذه المستجدات مع تفرغه للعلوم التي برع فيها بالتدريس والتأليف، وربما كان هذا حال جمهورهم، ومن يطّلع على وفيات الأعلام الذين ذكرهم الجبرتي، ويطلع على ما ذكر عنهم من نشاط وتأليف، يجد ابتعادها عن هذه المستجدات، وقد سبق الحديث عن بعض أحوالهم في أثناء الحديث عن دور الأزهر. والثاني: المائل إلى الموقف العصراني، وكان فيهم من تحوّل إلى رمز من رموزه بعد أن كان محسوبًا على القسم الأزهري المحافظ، وهؤلاء سيأتي الحديث عنهم وعن منهجهم. وأخيرًا: هناك مسار مهم لمجموعة من العلماء والفضلاء سلكوا طريقًا وسطًا داخل مذهبهم، فهم متمسكون بالمذهب الأشعري والتصوف مع دعوتهم إلى إزالة ما التصق بهما من انحرافات ولاسيما في باب التصوف، وهم مع ذلك أهل علم في العلوم الشرعية أو أحدها: كالتفسير أو الحديث أو الفقه وغيرها، وكان لهم مواقف حسنة من التحديث والعلوم الجديدة والحضارة الغربية، وفي هذا الموضع بالذات لم يكن بينهم وبين علماء الاتجاه السلفي خلاف، بل كانوا كالجيش المسلم الذي يختلف جنده أحيانًا في بعض تصوراتهم ولكنهم يتفقون على هدف يهدد كيان الأمة الإِسلامية، لهذا نشترك وإياهم في كثير من الخطوط حول الموقف من العلوم الجديدة ومناهجها ونظرياتها وإن كان هناك اختلاف في أبواب أخرى، ولاسيما فيما يتعلق بمذهبهم الكلامي والصوفي.
فإذا جاء لأحدهم موقف حسن من العلوم الحديثة يتفق مع موقف الاتجاه السلفي فإني أجعله ضمن الاتجاه السلفي في موقفه هذا مع بيان مذهبه الاعتقادي، ولاسيما أن مجموعة من متأخريهم قد وسعوا مصادر تلقيهم، فتجد أنهم قد عاشوا في بيئة "كلامية - صوفية" ثم اطلعوا على "السلفية" ومذهبها فتأثروا بذلك واستفادوا من أعلامها ولاسيما شيح الإِسلام ابن تيمية ومدرسته العظيمة، ومع ذلك لم يتخلصوا من كل مواد بيئتهم القديمة، لهذا أجد لنفسي العذر في وضع هذه الاجتهادات في إطار واحد وإن كانت تختلف في قوتها ومنزلتها، ويوجد في هذا الباب شخصية مميزة وغريبة، مما يجعلني أخصها بفقرة قبل الحديث عن الاتجاهات الثلاثة "السلفي - العصراني - التغريبي" وهو الشيخ "حسين الجسر".