يشكل دخول ثقافة أجنبية على ثقافة أمة تمرّ بمرحلة ضعف ظاهرة خطيرة لما في ذلك من تهديد لهويتها، وقد كان هذا حال أمتنا في القرن الثالث عشر/ التاسع عشر؛ فحركة الإصلاح والتجديد الديني التي ابتدأها الإمام المجدد محمَّد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في القرن الثاني عشر قد حُوصرت، وحوربت، وقضي على تمثيلها الاجتماعي، وإن كانت تتسع على مستوى نخب المجتمع الإِسلامي عبر اقتناع علماء وفضلاء بها، فحُرمت دعوة الإصلاح والتجديد الديني من مواصلة نموها حتى تستعيد أمتنا قوتها وعافيتها. وفي أثناء ذلك حدث التدخل الثقافي الأجنبي "الغربي" الخطير إلى أمة تحاول أن تتعافى وتنطلق من جديد، وقد تسبب مجيء هذا التسرب الثقافي وقت محاولات النهوض في التفات البعض إلى هذا المُنتج الثقافي والأخذ به والتأثر بمواده وموضوعاته.
أصبحت المدارس المشهورة والصحافة الذائعة والمنتديات المهمة والجمعيات الخطيرة تتولى نشر هذه الأفكار الثقافية الأجنبية بسبب إدارة الأجنبي لها، ووصل الأمر إلى انتشار أفكار جديدة تتصل بأغلب الموضوعات الدينية يغلب عليها التلبيس وإثارة الشُبه. وإذا كانت الشُبه القديمة التي نشأت بسبب الاحتكاك بثقافات أجنبية قد عالجها علماء الإِسلام، فإن الفكر الغربي الحديث قد أوجد أشياء جديدة تحتاج -بعد أن انتشرت- إلى معالجات جديدة، وقد كان أخطرها ما يُدّعي ارتباطه بالعلم، حيث كانت هناك موضوعات ومسائل متناثرة نجدها هنا وهناك دون أن يمثلها تيار واضح كما حدث فيما بعد في القرن الرابع عشر/ العشرين، ولكنها كانت بمجموعها تمثل شكلًا جديدًا يشارك إن لم ينافس التصور العقدي عند المسلمين، ومن الطبيعي وجود علماء وفضلاء يحاولون الرد على تلك المسائل عندما يُستفتون أو يُسألون ولكنها كانت اجتهادات جزئية لم تتحول إلى مشروع متكامل، باستثناء ما قام به جمال الدين الأفغاني والشيخ محمَّد عبده في مواجهة المستجدات الفكرية، ولاسيما ما ارتبط منها بالعلم الحديث، ورغم مكانة الدور الذي قاما به فإنه بقي في باب العموميات، يبحث العلاقة بين الدين والعلم في العموم، بحيث يؤكد أن الإِسلام هو مع العلم فكيف يقال: إنه يتعارض معه! ويؤكد أن أمة الإِسلام هي أمة العلم، وأن الضعف الذي هي فيه لا علاقة له بما يثيره الغرب من أننا