للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمة ضد العلم وإنما هو بأسباب سياسية واقتصادية وخارجية.

أما أول مشروع علمي وفكري إسلامي استوعب المشكلة ورصدها بكل أبعادها وحاول معالجتها في رؤية متكاملة فقد كان مع الشيخ "حسين الجسر"، أحد أبرز علماء الشام وفضلائها، الذي عاش مرحلة التحولات الكبيرة على المستوى الفكري والسياسي آنذاك (١٢٦١ - ١٣٢٧ هـ -١٨٤٥ - ١٩٠٩ م) وأخرج في ذلك كتابيه المشهورين: "الرسالة الحميدية في حقيقة الديانة الإِسلامية وحقيقة الشريعة المحمدية" التي أتمها في رمضان (١٣٠٦ هـ - ١٨٨٧ م) و"الحصون الحميدية للمحافظة على العقائد الإسلامية" جاء بعد السابق دون تاريخ.

جاء هذا المشروع قبل تميّز التيار التغريبي في جمعيات وأحزاب ومنظومة فكرية متكاملة من مفكرين وأفكار ووسائلهم التعبيرية وموضوعاتهم التي تمثل منهجهم ودعوتهم، كما أنه أول مشروع قدّمته الاتجاهات الدينية بمثل هذا الشمول، ولاسيما في أبواب العقائد وعلاقتها بالعلم الحديث، وحقق شهرة كبيرة لدرجة تصدّره ليكون المنهج العقدي في منظومة التعليم العثماني.

نجد في هذا النموذج لمشروع الجسر المحاولة الإِسلامية الأولى دون أن تتميز ملامح اتجاهها نحو أي مذهب من مذاهب المسلمين، مع أن صاحبها يكاد يكون موغلًا في التصوف وملتزمًا تمام الالتزام بالمذهب الأشعري، ومع ذلك فإن موقفه من العلم الحديث -وإن أثّرت في بعض مفاصله طريقته الصوفية ومذهبه الأشعري- فيه الكثير من العناصر التي تجعله ممثلًا للفكر الإِسلامي عمومًا في مقابل التغريب والفكر الوافد، وعنده مجموعة مهمة من الرؤى الاجتهادية التي لا اعتراض عليها عند المذاهب الأخرى، ولاسيما الاتجاه السلفي.

وبما أنه المبادرة الإِسلامية الأولى الشاملة فسأقف مع تفاصيلها المهمة: ما المشكلات التي وجدها انتشرت في الأمة الإِسلامية ضد الدين وتزعم علميتها؟ وما الطريقة التي عالج بها تلك المشكلات؟ لنخرج منها إلى التمايزات الواضحة بين ثلاثة مناهج جاءت بيّنة في القرن الرابع عشر الهجري.

يذكر الدكتور "فهمي جدعان" في دراسته الشهيرة عن "أسس التقدم عند مفكري الإسلام" أن المشروعات الفكرية السابقة لمشروع "الجسر"، ولاسيما

<<  <  ج: ص:  >  >>