للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"الأفغاني وعبده"، لم تكن قادرة على حل "مشكلة العلم الحديث" الذي غزانا الغرب به في عقر دارنا "لا في صورة منجزات مادية جزئية عجيبة وفعّالة -فهذا لا يجلب بادئ ذي بدء سوى الدهشة والإعجاب اللذين ما يلبثان أن يتبددا بأثر العادة والإلف- ولكن في صورة "نظريات علمية" لا تبعث على الدهشة فحسب، وإنما تبعث أيضًا على تعديل أو تغيير أو قلب "أنماط التفكير" و"طرائق النظر" لدى أولئك الذين تغزو هذه النظريات عقولهم"، إلى أن قال: "ولقد كان المفكر السوري حسين الجسر الطرابلسي. . . هو الذي تصدى لمجابهة العلم الحديث في صورة أشهر نظرياته في القرن التاسع عشر: النظرية "النشوئية" الدارونية" (١).

المؤهلات والآمال:

جاور الشيخ "الجسرُ" الأزهرَ سنوات، ثم عاد إلى طرابلس، وكان على مقربة من مدارس الإرساليات وعلى اطلاع بأحوالها، فكوّن بذلك رصيده العلمي الجامع بين العلوم الإِسلامية -حيث كان أحد أعلامها آنذاك- وبين العلوم العصرية عبر جهده الشخصي حيث كان قد حصل منها على ما يجعله قادرًا على فهم فوائدها وإدراك مشكلاتها، وعن ذلك يتحدث الشيخ "محمد رشيد رضا" عن شيخه "الجسر": "وتخرجت في العلوم العربية والشرعية العقلية على الشيخ حسين الجسر. وكان له إلمام واسع بالعلوم العصرية كما يعلم من كتابه "الرسالة الحميدية" (٢)، وقد تفرغ للعلم وتعليمه وكان رأيه بحسب كلام رضا: "أن الأمة الإِسلامية لا تصلح وترقى إلا بالجمع بين علوم الدين وعلوم الدنيا على الطريقة العصرية الأوروبية" (٣)؛ ولذلك أسس مع آخرين "المدرسة الوطنية الإِسلامية وهي أرقى من المدرسة الرشدية وجميع التعليم فيها باللغة العربية إلا اللغتين التركية والفرنسية، وتدرس فيها العلوم العربية والشرعية والمنطق والرياضيات والفلسفة الطبيعية" وكان هو مديرها (٤)، وكان يأمل من هذه المدرسة خروج جيل جديد قادر على النهضة بالأمة، ولكن المدرسة لم تلق الدعم من السلطنة، فأقفلت


(١) أسس التقدم عند مفكري الإِسلام، د. فهمي جدعان ص ٢١٤ - ٢١٥.
(٢) السيد رشيد رضا أو إخاء أربعين سنة، أرسلان ص ٣٩.
(٣) انظر: المرجع السابق ص ٣٦.
(٤) انظر: السيد رشيد رضا أو إخاء أربعين سنة ص ٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>