وتفرق طلابها، ومنهم العلم البارز الشيخ "محمَّد رشيد رضا".
وقد كان يريد من هذه المدرسة تدريس العلوم النافعة بروح إسلامية، فلا يتخرج طلاب المدارس العصرية بروح معادية للدين، ولذا كان يرد على من يقول "بأن من يدخل هذه المدارس التي تدرس علوم الكائنات هذه "يخرجون بعد درسها ومعرفة أسسها مارقين من الدين الإِسلامي مروق السهم من الرمية"، فلا يرجع ذلك إلى دراسة هذه العلوم في ذاتها، وإنما إلى عدم وجود المرشد الذي يكشف في مظاهر الموجودات، عن علتها الحقيقية وعن مصدرها الفعال. فالذي يحدث هو أن تدريس هذه العلوم يناط بمعلمين يرددون القول: إن هذه المظاهر إما إلى الطبيعة أو إلى المادة وحركة أجزائها أو إلى النواميس نفسها وكفى. والذي ينبغي قوله هو أن هذه الأمور كلها ترتد إلى علة أولى أو إلى الله. أما ما ينبغي فعله فهو أن يقوم في المدارس معلمون أحكموا العلوم الدينية والعقلية والطبيعية على حد سواء. فهذا يمكن حفظ العقائد من الزيغ والفساد"(١). فهو يرى أهمية المدرسة العصرية ويلقي بالثقل على المعلمين، والحقيقة أن المشكلة أبعد من ذلك، فإن العلوم ذاتها تحتاج إلى إعادة تبيئة؛ لأننا قد لا نجد دائما ذاك المدرس المميز الذي يشترطه الشيخ، فكان من المهم أن تكون العلوم ذاتها متوافقة مع هُوِيَّة الأمة. ولكن المؤسف أنك تجد الشيخ، وكأنه يتحرك لوحده، فالمشروع ضخم، والآمال كبيرة، وفي المقابل التفاعل الإيجابي من قبل السلطة والمجتمع لم يكن في حجم الخطر ولا في حجم آمال الشيخ.
المشروع الفكري:
عند العودة إلى إنتاجه المهم في مشكلة العلاقة بين الدين والعلوم الحديثة في أحد كتابيه:"الحصون الحميدية" أو "الرسالة الحميدية" نكتشف صدى المشكلات التي انتشرت في زمنه من جراء اقتحام هذه العلوم ومناهجها ونظرياتها والمنظومة الفكرية العملاقة التي خلفها، كما نكتشف شجاعة الشيخ في مواجهة المشكلة بحسب الاستطاعة، وما قَدَّمه من رؤى حول كيفية العلاقة بهذه العلوم، ولاسيما ما انتشر في زمنه من اكتشافات علمية أو نظريات أو غيرها، وسألخصها في الفقرات الآتية:
(١) عن أسس التقدم عند مفكري الإسلام، جدعان ص ٢٢٢ - ٢٢٣.