للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقرب للشكاك معنى تلك الآية معتمدًا على الاكتشافات العلمية الحديثة، وفي الوقت نفسه يرُدّ على الطاعنين عن طريق قياس الأولى والجواز العقلي.

ومن الملاحظ أن طريقة الشيخ هذه ستصبح أسلوبًا لبعض أهل التفاسير المعاصرة، فيستفيد أصحابها في أثناء تفسيرهم للآيات الكونية وعالم المخلوقات الواردة في القرآن من المستجدات العلمية من باب الاستئناس، وتقريب المعنى وتوضيحه، فمنهم الغالي في ذلك كالشيخ "طنطاوي جوهري" ومنهم المعتدل وهم الأكثر (١).

وقد كان الشيخ الجسر يعرض ذلك بحذر وحيطة وأحيانًا حتى في الأمور الواضحة، ويُحمد له من جانب؛ لأنه لم يتوسع التوسع المتسرع، ولكن قد يُؤخذ عليه توقفه في الأمور الواضحة، ومن ذلك ما نبّه إليه تلميذه البارز الشيخ "محمَّد رشيد رضا"، حيث ذكر أن شيخه سأله عن رأيه في "الرسالة الحميدية" قائلا له: إنه يعجبني من بين أولادي فهمك ورأيك، فقال "رضا": "إن الحاجة إليها لشديدة، ولم يسبق مولانا أحد إلى مثلها في الدفاع عن الإِسلام، ولكن لي عليها أنكم توردون المسألة القطعية في العلم ككروية الأرض ودورانها بعبارة فرضية تدل على شككم فيها. قال: أنت تعلم تعصب الجاهلين بهذه العلوم في بلادنا، فلا نترك لهم مجالًا للقيل والقال. قلت: إذا كان مثلكم في ثقة الأمة بدينه وعلمه لا يجرؤنا على التصريح بالحقائق فممن نرجو هذا؟ " (٢). وقد تُضاف مشكلة أخرى تكبر مع الزمن هي نفس ما امتدح الشيخ "رضا" شيخه بها، وهي كون المشروع من منطق دفاعي، وهذا المنطق يُبقي صاحبه دائمًا في انتظار هجمات المهاجمين وهو فقط يدافع، فينشغل طوال العمر بالمدافعة، ومع ذلك فإننا وإن استشعرنا مأزق الدفاع، فإنه لا يمكن التهوين من فائدته وأهميته وحاجتنا إليه، بشرط أن لا يكون هو منطقنا السائد.

٢ - بناء منهج حول الموقف من النظريات بأداة كلامية أشعرية في الغالب:

أصعب عمل يواجه أي صاحب مشروع فكري هو تكوين منهج للتفسير أو


(١) انظر: التفسير العلمي للقرآن في الميزان، أحمد أبو حجر، الفصل الثاني والثالث من الباب الثاني.
(٢) السيد رشيد رضا أو إخاء أربعين سنة، أرسلان ص ٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>