للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأعلى عندهم هو علم القياس في العلوم العُلوية التي ترتفع عن الطبيعة والفلك، مثل الكلام في حدوث العالم وزمانه، والتشبيه ونفيه، وأمور لا يُدرَك شيء منها بالمشاهدة ولا بالحواس، قد أغنت عن الكلام فيها كتب الله الناطقة بالحق المنزلة بالصدق وما صح عن الأنبياء صلوات الله عليهم، ثم العلم الأوسط والأسفل عندهم على ما ذكرنا عن أهل الأديان إلا أن العلم الأوسط ينقسم عندهم على أربعة أقسام هي كانت عندهم رؤوس العلوم، وهي علم الحساب والتنجيم والطب وعلم الموسيقى. . . ."، ثم تحدث عن هذه العلوم الأربعة وبيان الصحيح منها والباطل عند أهل الدين، وذكر أثرًا له دلالته المهمة عن أبي إسحاق الحربي قال: "العلوم ثلاثة: علم دنياوي وأخروي، وعلم دنياوي، وعلم لا للدنيا ولا للآخرة؛ فالعلم الذي للدنيا والآخرة علم القرآن والسنن والفقه فيهما، والعلم الذي للدنيا علم الطب والتنجيم، والعلم الذي لا للدنيا ولا للآخرة علم الشعر والشغل به وبعد كلام مهم حول هذه العلوم ختم بعلم الدين في الإسلام فقال: "واتفق أهل الأديان أن العلم الأعلى هو علم الدين، واتفق أهل الإسلام أن الدين تكون معرفته على ثلاثة أقسام: أولها معرفة خاصة الإيمان والإسلام،. . . . والقسم الثاني معرفة مخرج خبر الدين وشرائعه،. . . . والقسم الثالث معرفة السنن واجبها وأدبها، وعلم الأحكام. . . ." (١).

ومن الأمور المنهجية المهمة التي وقف معها هذا الإمام الكبير أنه -أثناء حديثه عن علم الدين- يذكر منهجية المسلم في هذا الباب، وهي: الاكتفاء بما في الوحي وأهمية العناية بصحة الخبر، فعلم الدين عمدته -كما سبق أول التمهيد- على السمع، بينما إذا جاء إلى علوم الدنيا نجده ينبه إلى "المشاهدة والحواس"، وما يقبله العقل ويقوم عليه البرهان، وذلك أن عمدتها على البصر، وهي ظاهرة في المنهج الإسلامي نحو العلم، فالدين عمدته الوحي، وفهمه يكون بما وُرِث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأقامه سلف الأمة، أما الدنيا -بعد معرفة الحلال والحرام فيها- فعمدتها على الحس والمشاهدة والعقل، وبهذا يقوم علم الدين وعلم الدنيا على منهجية صحيحة.


(١) انظر: تهذيب جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر ص ١٦٣ - ١٦٩، هذبه أبو عماد السخاوي.

<<  <  ج: ص:  >  >>