للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السنة، فإن الله سبحانه قد خلق هذه الأسباب وهو الخالق لآثارها، وهي مؤثرة بما جعل الله فيها من قوة (١)، ومن المؤكد أن الموقف الخاطئ من السببية سيكون له آثاره التصورية، وقد بلغت درجة من الانحراف مع غلاة الصوفية وأمثالهم في نفي الأسباب الشرعية والكونية. كما أن لذلك أثره في إضعاف الموقف من العلوم الحديثة، فإن أي مُنكرٍ للسببية سيكون موقفه ضعيفًا أمام العلوم الحديثة، مع أن الفكر الحديث قد ظهر فيه مثل هذا المذهب كما عرف عن المشكلة التي أثارها "ديفيد هيوم" حول السببية (٢).

٤ - مشكلة منهج التوفيق. فمع الاحتياطات الواضحة عند الشيخ، إلا أن هناك نقاطًا غامضة هي موطن ضعف في هذا المنهج، فهو لم ينجرف مع طريقة المتكلمين في القول بأنه إذا تعارض العقل والنقل قُدم العقل، وإنما هو يقول: إذا ثبت التعارض مع ظاهر النص ويكرر دائمًا "الظاهر" بدليل قطعي، عندها يجوز التأويل بشروطه. فمن الواضح أن الشيخ أكثر اعتدالًا من سلفه المتكلمين، ومع ذلك نجده أحيانًا يقول بأنه يجب التأويل حتى لا نطعن في الأصل الذي عرفنا به النقل وهو العقل، وسيأتي لهذه الإشكالية عرض مستقل بإذن الله.

٥ - إذا سلّمنا بالأهمية لمشروع الشيخ في العلاقة بين الدين والعلم ورياديته المعاصرة، فإننا نختلف معه جذريًا في مذهبه "الكلامي - الصوفي" (٣)، حيث عرض العقيدة في كتبه على الطريقة الكلامية، وهو مخالف لمذهب أهل السنة. كما أنه يوغل في المسائل التي لها علاقة بالتصوف دون تحفظ، مما يدفع المتأمل في مشروعه إلى الاستغراب من هذا التناقص عند الشيخ: إذ كيف تجتمع العقلانية باللاعقلانية، وكيف يجتمع مثل هذا الإقرار بالعلم مع بعض الخرافات الصوفية، قطعًا إن وقوع الشيخ في هذه المآزق يشوه مشروعه ويضعف من قيمته.


(١) انظر: الكلام السابق في هذا الفصل عن موقف شيخ الإِسلام ابن تيمية من هذا الموضوع.
(٢) انظر مثلًا: نحو فلسفة علمية، د. زكي نجيب محمود ص ٢٨٤ وما بعدها.
(٣) أربط بين الاتجاهين: الكلامي والصوفي، وذلك أن أغلب المتأخرين، في هذه المرحلة، يخلطون بين المنهجين، فيكون في معتقده على طريقة المتكلمين، ويكون في مسلكه متبعًا لإحدى الطرق الصوفية، وإلا فالعادة هو الحديث عن أهل الكلام لوحدهم، وأهل التصوف لوحدهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>