من هذا الباب، أما التطبيق وأمثلته فذاك موطن الاجتهادات التي يصيب فيها العالم ويخطئ، ولكن هناك ملحوظات تتأكد هنا وأهمها ما يأتي:
١ - يلاحظ الباحث في منهج الشيخ تعظيمه النصوص بشكل لا لبس فيه، ولكن يكدر على هذا التعظيم موقفه من حديث "الآحاد" الذي لا يتماشى مع ما نلاحظه من تعظيم الشيخ للنصوص.
٢ - اكتفاء الشيخ بالمرجعية "الأشعرية" مع أنه كان عليه أن يعتمد على الاتجاه السلفي من أمثال ابن تيمية وابن القيم وغيرهما، لما لهم من جهود هائلة في هذه الأبواب، ويستفيد من جهود الآخرين.
٣ - مشكلتا "التجويز والسببية". فهي عند الشيخ تؤثر في مشروعه سلبًا، فقد اتسع "التجويز" عنده على طريقة مذهب المتكلمين، وهذا ما يرفضه أهل العلوم في أثناء المجادلة؛ فإنه عند المجادلة لهم إن قالوا له: إن العلم لا يؤيد هذا الأمر، أجابهم: وما المانع؟ فإن ذلك جائز في التصور العقلي. وهم لا يقبلون إلا بالجائز علميًا، فالجائز العقلي لا يمكن تصور طريقة لملاحظته أو إخضاعه للتجريب ولو في الزمن القادم مع تطور العلم، أما الجائز علميًا فهو قد يكون اليوم في حكم المستحيل لصعوبته، ولكن عند العلماء أمل مع تطور الأجهزة والأدوات والعلوم أن نتأكد من صحته.
أما "السببية" فيظهر تأثر الشيخ بمذهبه "الكلامي - الصوفي" في نفيها، مع أنها عمدة في العلم الحديث، فالعلم لا يمكن قيامه في غياب مفهوم العلة والاطراد والسببية، فهو في أثناء حديثه مثلًا عن المعجزة التي كانت لإبراهيم عليه الصلاة والسلام من عدم احتراقه بالنار العظيمة، وهو مثال يجتمع فيه رأيه في الجواز والسببية، فيقول:"فمن يكن مؤمنًا بوجود الإله القادر، ويعتقد أن النار لا تحرق بطبعها، ولا بقوة أودعت فيها، بل إحراقها هو بخلق الله تعالى، وعدم إحراقها من الجائزات العقلية الداخلة تحت تصرف الإله سبحانه، وإن كان ذلك خلاف العادة، فلا مانع يمنعه من تجويز وقوع هذه المعجزة،. . . ."، إلى أن قال:"النار ليست محرقة بطبعها بل يخلق الله تعالى الإحراق عندما تمس شيئًا قابلًا للاحتراق. . . ."(١). وهذا الموقف من السببية عند الشيخ نرفضه نحن أهل
(١) الحصون الحميدية ص ٦٣، وانظر: رأيه في السببية قبل ذلك ص ٥٢ - ٥٥.