بلاد المسلمين تصدى لها أعلام الاتجاه السلفي مع غيرهم، إلا أنهم تميّزوا عن غيرهم بسلامة اتجاههم من البدع والانحرافات التي كانت تعيق الغير. وكان من أعلام هذا الاتجاه على سبيل المثال: الشيخ "الألوسي" من العراق، و"القاسمي" من الشام، و"محمد رشيد رضا" ومن حوله في مصر ولاسيما طلابه من "أنصار السنة المحمدية" كالشيخ "محمَّد الفقي" والشيخ "أحمد شاكر" فضلًا عن علماء في الجزيرة العربية وفي بلاد المغرب والهند وغيرها.
ويمكن رؤية أربع مراحل لمسيرة هذا الاتجاه في العصر الحديث، كل مرحلة تستصحب مع جديدها ما سبق، ففي المرحلة الأولى جاءت الدعوة للتوحيد ونبذ الشرك لتأخذ بالجهد الأكبر حتى اتسعت حال الصفاء في التوحيد بين الناس. ثم جاءت الثانية لتركز على العلم ونشره مع استصحاب ما سبق ولاسيما في المدن والحواضر. وفي الثالثة جاء دور التركيز على الموقف من الأفكار الجديدة التي ظهرت مؤخرًا، وبيان الحق فيها من الباطل والنافع فيها من الضار. وأخيرًا نحن نعيش في مرحلة الجهد الحضاري الذي يستصحب الثلاث السابقة ويضيف الجهد الحضاري في تقديم رؤية جديدة تنبثق من الإِسلام لتكون البديل عن الحضارات القائمة حولنا والمهددة لوجودنا وحضارتنا، فلم يقفوا موقف المتفرج من التطورات العالمية أو ينهزموا أمامها، فلا الموقف السلبي المنغلق ولا الموقف الاستسلامي المرحب، وإنما رفعوا الدعوة للتأصيل الإِسلامي لكل مفيد وأهم ذلك العلوم الحديثة ومدنيتها النافعة، فمنهجية التأصيل لا ترفض النافع من جهة ولا تؤول النص لموافقة العصر بعلّاته من جهة أخرى، وإنما هو عملية إسلامية حضارية كبرى يعاد بواسطتها تشكيل المنتجات الأخرى النافعة بما يجعلها تنطوي تحت مظلة الإِسلام وتتفق مع رسالته.
ولا شك أن هذا الموقف بتصوره ومنهجه يختلف عما يثيره خصوم الاتجاه السلفي، فهؤلاء الخصوم يسعون إلى ربط الاتجاه السلفي -وربما الديني بعامة- بالجمود والخمول واللاعقلانية وغيرها من الأوصاف التي تظهر في ظروف الصراع ثم تتكرس مع الأيام فيظنّها البعض حقًا، ولكن عندما ننظر إلى أعلام السلفيين في القرن الرابع عشر الهجري، عصر احتكاكهم بالوافد الغربي من علوم وحضارة ومدنية وفكر، نجدهم خلاف ما يزعم خصومهم "كالقاسمي، الألوسي، الشنقيطي، السعدي،. . . . " فضلًا عن المعاصرين منهم.