في مرحلة "الدور الحضاري" يبقى أساس التأصيل مرتبطًا بعلماء الشرع وأئمة الدين، وفي الوقت نفسه يتحرك في داخله طائفة كبيرة من المتخصصين وغيرهم، فضلًا عن رموز إسلامية قد تختلف مع الاتجاه السلفي في أبواب، فنقبل حسناتهم ونتلافى أخطاءهم، وهم طائفة مهمة تأثرت من جهة بالاتجاه السلفي مع وقوعهم من جهة أخرى تحت تأثير رموز فكرية معاصرة تزعمها الشيخان:"الأفغاني - عبده" ونشرها "محمد رشيد رضا"، ثم في فترة متأخرة اجتهد في تعديلها.
وكلما كانت الطائفة أقرب للسنة كانت أولى بهذا الدور الحضاري، وأهمها في هذا الإطار الجهد الكبير الذي قامت به الجماعات الإِسلامية التي نشأت محاولة لإعادة الناس إلى الدين ومواجهة تيارات الاستعمار والتغريب، وقد بدأت فكرتها مع الشيخ "محمَّد عبده" و"محمَّد رشيد رضا" ثم انتشرت في القرن الرابع عشر الهجري. ومع استحضار هذا الجهد المهم لكل تلك الأطراف، فإن أي باحث منصف لا يغيب عن باله مشكلة البيئة التي عاشوها وتحركوا فيها، مما جعل بدايات مشروعاتهم مصحوبة بضعف أو بأخطاء، نلتمس لهم العذر فيها ولا نتبعهم ونستفيد من جهدهم.
في النصف الثاني من القرن الرابع عشر الهجري بدأت معالم التميز تظهر في هذا الاتجاه والأخطاء التي وقع فيها الآخرون تُتَدارك وتتلافى في المشروع الحضاري الإِسلامي، وقلب هذا المشروع يتمثل في "العلم الشرعي" عقيدةً وشريعةً ومنهجًا وقيمًا، وهو المظلة التي تظل ما ينبت في أرضنا الفكرية الجديدة، بدأت مع علماء كبار ثم تحولت إلى مشروعات لبعض الجامعات الإِسلامية وما زالت قائمة، وهي مهمة صعبة وكبيرة وربما تحتاج إلى عشرات السنين، ومع أن مجموعة من كليات تلك الجامعات قامت أساسًا لتغريب المجتمع، إلا أنه بظهور الصحوة الإِسلامية وبجهود العلماء السابقين، جاء التحول المميز فيها نحو المشاركة الحضارية السليمة بدل التوقف أو الاستسلام.
وها هي اليوم مشروعات التأصيل الإِسلامي للعلوم الحديثة والمدنية النافعة تنتشر في العالم الإِسلامي بعد أن كانت مشروعات التغريب هي السائدة، قد تختلف في عملها وتتفاضل -بالطبع- مواقفها، إلا أن "الظاهرة" في حد ذاتها ذات دلالات مهمة، أبرزها: أن الأمة الإِسلامية قد تجاوزت مرحلة الانبهار