البحر. ولعلّ "ذا القرنين" بلغ ساحل المحيط، فرآها كذلك؛ إذ لم يكن في مطمح بصره غير الماء. ولذلك قال:"وجدها تغرب" ولم يقل "كانت تغرب"(١).
وقد سار الشيخ -رحمه الله- نفس المسار في بقية المسائل، وما عُرض هنا هو موضع الجديد في النظرية، ولاسيما ما أثار الإشكال منها؛ لإبراز موقف الشيخ ومنهجه. والمميز هنا أن الشيخ خصص كتابه بمسائل علم الهيئة التي لها صلة بنصوص شرعية، ولم يكن همه بحث علم الهيئة ذاته، فله كتاب مستقل في ذلك، ترجمه عن اللغة الفارسية، أما هنا فموضوع ديني في المقام الأول.
كما أن الشيخ في المسائل التي لم يتأكد من علميتها لم يجزم بقول فيها تأدبًا مع ظاهر النصوص الشرعية، كما هو ظاهر في وقفته مع آية الكهف، وهو متوافق مع منهجه في التبين والتثبت، وقد ذكر الشيخ منهجه بأنه قد رأى كثيرًا من قواعد علم الهيئة "لا يعارض النصوص الواردة في الكتاب والسنة. على أنها لو خالفت شيئًا من ذلك، لم يلتفت إليها، ولم نؤول النصوص الواردة لأجلها. والتأويل فيهما ليس من مذاهب السلف الحريّة بالقبول، بل لابُدّ أنْ نقول: إن المخالف لهما مشتمل على خلل فيه؛ فإن العقل الصريح لا يخالف النقل
(١) ما دل عليه القرآن. . . . ص ٩١، وحول هذا المعنى يقول الشيخ محمَّد العثيمين -رحمه الله-: (وفي قوله تعالى: {إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ} {وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ} دليل على أن الشمس هي التي تتحرك، وهي التي بتحركها يكون الطلوع والغروب، خلافًا لما يقوله الناس اليوم من أن الذي يدور هو الأرض، وأما الشمس فهي ثابتة، فنحن لدينا شيء من كلام الله، الواجب علينا أن نجريه على ظاهره، وألا نتزحزح عن هذا الظاهر إلا بدليل بَيّن، فإذا ثبت لدينا بالدليل القاطع أن اختلاف الليل والنهار بسبب دوران الأرض، فحينئذ يجب أن نؤول الآيات إلى المعنى المطابق للواقع، فنقول: إذا طلعت في رأي العين وإذا غربت في رأي العين، تزاور في رأي العين، تقرض في رأي العين، أما قبل أن يتبين لنا بالدليل القاطع أن الشمس ثابتة والأرض هي التي تدور، وبدورانها يختلف الليل والنهار فإننا لا نقبل هذا أبدًا، علينا أن نقول: إن الشمس هي التي بدورانها يكون الليل والنهار؛ لأن الله أضاف الأفعال إليها، والنبي - صلى الله عليه وسلم - حينما غربت الشمس قال لأبي ذر: "أتدري أين تذهب؟ " فأسند الذهاب إليها، ونحن نعلم علم اليقين أن الله تعالى أعلم بخلقه ولا نقبل حدْسًا ولا ظنًا، ولكن لو تيقنا أن الشمس ثابتة في مكانها وأن الأرض تدور حولها، ويكون الليل والنهار، فحينئذ تأويل الآيات واجب حتى لا يخالف القرآن الشيء المقطوع به). تفسير القرآن الكريم، سورة الكهف، الشيخ محمَّد العثيمين ص ٣٢ - ٣٣، دار ابن الجوزي، السعودية، ط ١، ١٤٢٣ هـ.