للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن الناس أمام هذه النعمة -نعمة العقل ونعمة الكون المسخر- انقسموا إلى فريقين: فالمؤمنون منهم "صار اشتغالهم بهذه المنافع التي يُتوسل بها إلى إصلاح الدين والدنيا عبادة من العبادات وقربة من القربات"، إلى أن قال: "وأما من سواهم من الماديين والضالين الغافلين، فإنهم عرفوا ظاهرًا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة غافلون. . . . فانقطعوا بالأسباب عن مسببها، وانقطعت صلتهم بالله حين قام الكبر في قلوبهم كما قال -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (٥٦)} [غافر: ٥٦]، {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٨٣)} [غافر: ٨٣] " (١). وقد عُرض في الفصل الأول شيء من هذا الكِبْر داخل أوروبا، الذي ظهر بوضوح في القرن الثالث عشر/ التاسع عشر حيث أصابها غرور كبير مع الثورة العلمية وما لحق بها من ثورة صناعية مدهشة، فأعلن مشاهيرهم بأنهم لم يعودوا في حاجة إلى الرب، تعالى الرب سبحانه عن إلحاد الملحدين.

وفي موطن آخر، وفي وقفة مع قوله -تعالى-: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (٥٠)} [طه: ٥٠]، قال الشيخ: "وبهذه الهداية الخاصة بالإنسان سخر له جميع ما وصلت إليه قدرته من علوم الكون"، وهي تشمل الهداية المجملة والمفصلة في علوم الشرع وعلوم الكون، ثم فتح على الإنسان بحسب حاله وقوته وكفاءته، كما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز" ويدخل في الحرص على ما ينفع الحرص على الأمور الدنيوية مع الدينية، "فمن حرص عليها واجتهد في تحصيلها وسلك الطرق الموصلة إليها واستعان الله عليها تم له ما أراد، ومن لم يحرص على الأمور النافعة أو لم يستعن بالله في تحصيلها خاب وخسر" (٢).

٢ - آيات الأمر بالنظر والتفكر والاعتبار والتدبر في آيات الله الكونية والشرعية، حيث جعلها الشيخ مما يدل على الأمر، فقد أمر الخالق سبحانه


(١) الدلائل القرآنية. . . .، مع بعض الاختصار ص ١٠ - ١١.
(٢) الدلائل القرآنية. . . . ص ١٧ - ١٨، مع بعض الاختصار، والحديث عن أبي هريرة في صحيح مسلم، برقم (٤٨١٦) من كتاب القدر، باب في الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة باللهِ وتفويض المقادير لله.

<<  <  ج: ص:  >  >>