للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تقليد الغرب في الضار أو ما لا نفع فيه، وكم نسمع اليوم عن من يقلد الغرب في أساليب الأكل والشرب واللباس والجمال، بل وكثير من المحرمات، وإذا نقبت في حاله وطلبت ما قلدهم فيه من النافع فلا تجد شيئًا، حصر همه في تقليدهم في المتع المباحة والمحرمة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخله خلفهم تصديقًا لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم. قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟ " (١).

يبقى الموقف الرابع وهو الذي يحتاج إلى جهد كبير من الأمة؛ لأنه يحتاج إلى ما هو أوسع من الكلام وأشق، فليس في سهولة المواقف السابقة، فالأول لم يفعل صاحبه شيئًا سوى حرمان نفسه من النافع خوفًا من الضار، والثاني استسلم لضغط الحضارة فأخذها بخيرها وشرّها، كان ضعيفًا فلم يستطع الاختيار، والثالث أحقرها حالًا، إذ قلد في متع الحياة وشهواتها، وهو وإن كان مما تلتذ به أنفس أقوام فما ذاك من طبع الأمم القوية، فلذتها في النافع والمفيد من علوم ومعارف وليس في الفنون والمتع وأبوابها، لم يقل الشيخ هذا الكلام ولكن كلامه يفيد ذلك.

ذكر الشيخ بعض الأدلة بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي هو أصل كل الخير لهذه الأمة ومنبع علومها -أخذ من علوم الأمم حوله فكيف بحال أمته، ومن الأمثلة على ذلك:

أ- فمن العلوم العسكرية للفرس أخذ خطة حفر الخندق.

ب- ومن العلوم الطبية لفارس والروم أخذ الرسول - صلى الله عليه وسلم - جواز وطء المرضع بعد أن أُخبر أنهم يفعلون ولا يضر أولادهم، وقد همّ - صلى الله عليه وسلم - بالمنع، وغيرها (٢).

والنتيجة أنه يتضح "من هذا الدليل أن الموقف الطبيعي للإسلام والمسلمين من الحضارة الغربية -هو أن يجتهدوا في تحصيل ما أنتجته من النواحي المادية،


(١) في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري، البخاري برقم (٧٣٢٠)، كتاب الاعتصام، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لتتبعن سنن من كان قبلكم"، وعند مسلم، برقم (٢٦٦٩)، كتاب العلم، باب اتباع سنن اليهود والنصارى.
(٢) أضواء البيان ٤/ ٣٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>