للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي الوقت نفسه فإن الفاسق مهما كان نجده يصدق ويكذب، مع العلم أن النشاط العلمي الحديث الذي برع فيه الكفار يدخله الخطأ ويدخله الهوى كأي نشاط بشري، ولكنه في الوقت نفسه يجد المترصدين من باحثين منافسين ومراكز بحوث منافسة، تدفعهم المنافسة إلى فضح أي خطأ قام به المنافس لهم ويدفعهم حب الشهرة إلى إثبات ما يخالفه ما أمكن إلى ذلك سبيلًا، وهو شيء يعرفه من اطلع على النشاط العلمي الحديث. وهذا يدفعنا إلى تحذير المتساهلين من المسلمين عن التسرع في التكذيب أو الرد بحجة كفرهم أو إلحادهم بحجة أن انحرافهم يدفعهم للكذب، صحيح أنهم مظنة الكذب، ولكن لا يعني أنهم يستطيعون الكذب بسهولة، فسقْطةُ الباحث في ميدان العلم سقطة خطيرة، لذا تجدهم يتجنبون الكذب ولا يشترط تنزهم عنه بقدر ما هو خشية السقوط داخل الأوساط العلمية، وهذا بالنسبة لحالهم، أما بالنسبة لحالنا فما أجمل تلك القاعدة التي قالها الشيخ أثناء حديثه في الرسالة: "ولا يجوز أن يقال بامتناع ذلك إلا بدليل شرعي صريح يجب المصير إليه، كما أنه لا يجوز أن يصدق من قال: إنه وصل إلى سطح القمر أو غيره من الكواكب إلا بأدلة علمية تدل على صدقه" (١)، فمن جهة المنع لابد من دليل شرعي، ومن جهة الواقع لابد من دليل علمي، وهذا هو حقيقة المنهج الإِسلامي.

٢ - النهي عن التسرع في الحكم على مثل هذه المسائل وعلى القائلين بها:

فبقدر أهمية التثبت في هذه الأمور الحديثة، بحيث يكون في كل مجال بحسبه، فالتثبت في أبواب العلوم لا يكون إلا بالعلم ذاته، بالبحث والملاحظة والتجريب واستخدام المناهج العلمية والابتعاد عن الانطباعات الذاتية التي وجدتُ منها الكثير وأنا في غمار هذا البحث. وإذا كان التثبت مهمًا فإن الأخطر من ذلك هو "الإقدام على التكفير أو التفسيق بغير حجة يعتمد عليها من كتاب الله أو سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولا شك أن هذا من الجرأة على الله وعلى دينه ومن القول عليه بغير علم وهو خلاف طريقة أهل العلم. . . ." (٢)، ثم استعرض بعض الأدلة المحذرة من ذلك.


(١) الوصول إلى القمر ص ٩٤.
(٢) المرجع السابق ص ٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>