للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التسميات التي أطلقت على هذا التيار المشهور داخل العالم الإسلامي.

إذا رجعت إلى موضوعي وهو العلاقة بالعلم الحديث: فإن أقرب التسميات المناسبة لهذا الاتجاه حول علاقته بهذا العلم هي الاتجاه التوفيقي أو العصراني، فإذا كان الاتجاه السلفي قد يتميز بدعوته الإصلاحية وقطبها العودة إلى الدين بصفائه ونقائه، فإن من بين أهم ما ميّز الاتجاه التوفيقي هو إثبات عدم وجود مشكلة بين الدين والعلم، ومن أهم شخصيات هذا الاتجاه الشيخ "محمَّد عبده" الذي كتب في آخر حياته عن مشروعه الذي سعى إليه، فقال: "ارتفع صوتي بالدعوة إلى أمرين عظيمين: الأول: تحرير الفكر من قيد التقليد وفهم الدين على طريقة سلف الأمة ضمن موازين العقل البشري. . . . وأنه على هذا الوجه يُعد صديقًا للعلم، باعثًا على البحث في أسرار الكون، داعيًا إلى احترام الحقائق الثابتة، مطالبًا بالتعويل عنها في أدب النفس وإصلاح العمل. كل هذا أعده أمرًا واحدًا. وقد خالفت في الدعوة رأي الفئتين العظيمتين اللتين يتركب منهما جسم الأمة: طلاب علوم الدين ومن على شاكلتهم، وطلاب فنون العصر ومن هو في ناصيتهم" (١). يظهر في منهجه أهمية إخراج صورة للدين تجعله صديقًا للعلم، صحيح أن سياق النص يفيد بأننا إذا فهمنا الدين على طريقة السلف فإنه سيكون صديقًا للحقيقة ولا يتعارض معها، ويبقى الغامض في السياق مراده بـ"ضمن موازين العقل البشري"؛ فهو يحتمل أكثر من وجه، وإن كانت تطبيقات الشيخ ستزيل كثيرًا من غموضه. وإذا كان الاتجاه السلفي قد اهتم بصفاء الدين دون حبسه في إطار خارج عنه مثل العقل أو العلم، وإن كان يتفق مع فكرة الشيخ محمَّد عبده بأن الدين الحق هو صديق للحق في العقل أو العلم، ولكنه يختلف معه في جعله العلم أو العقل هو المحدد لما يقبل من الدين أو لا يقبل.

فبسبب الحضور الطاغي للفكر الغربي والعلم الحديث في مشروع الشيخ محمَّد عبده وأتباعه من بعده أمكن تفضيل إطلاق مصطلحي: "التوفيقي" أو


(١) الإِمام محمَّد عبده. مجدد الدنيا بتجديد الدين، د. محمَّد عمارة ص ١٨١ عن تاريخ الأستاذ الإِمام، محمَّد رشيد رضا ١/ ١١ - ١٢، وانظره في مجلة المنار، ملخص سيرة الأستاذ الإِمام (مذهبه وطريقته في الإصلاح)، مجلد ٨، جزء ٢٣ ص ٨٨١، عدد ذي الحجة، سنة (١٣٢٣ هـ)، وانظر: عند أحمد أمين: زعماء الإصلاح في العصر الحديث ص ٣٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>