للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

° الحكم الفقهي لأنواع العلوم:

بعد أن عرفنا شيئًا من الموقف الإسلامي من العلوم أختم ببيان حكمها عند أهل العلم، ومع أن في كلام ابن عبد البر - رحمه الله - شيئًا من ذلك إلا أن عددًا من التفصيلات ذكرها علماء بعده، ومن أشهرهم الغزالي في كتاب "إحياء علوم الدين"، ولاسيّما من جهة الأحكام التكليفية "الواجب والمستحب والجائز والمكروه والمحرم"، ثم درج أهل العلم على مثل ذلك، ومن بينهم الإِمام النووي - رحمه الله -، ففي مقدمة كتابه "المجموع" تكلم على ذلك وقسم العلم إلى قسمين: شرعي وغير شرعي، فقال - رحمه الله - عن القسم الأول: "باب أقسام العلم الشرعي هي ثلاثة: الأول: فرض العين؛ وهو تعلُّم المكلف ما لا يتأدى الواجب الذي تعين عليه فعله إلا به. . . . القسم الثاني: فرض الكفاية؛ وهو تحصيل ما لابد للناس منه في إقامة دينهم من العلوم الشرعية، كحفظ القرآن والأحاديث وعلومهما، والأصول والفقه والنحو واللغة والتصريف، ومعرفة رواة الحديث والإجماع والخلاف. وأما ما ليس علمًا شرعيًا وُيحتاج إليه في قوام أمر الدنيا كالطب والحساب ففرض كفاية أيضًا نص عليه الغزالي. واختلفوا في تعلم الصنائع التي هي سبب قيام مصالح الدنيا كالخياطة والفلاحة ونحوهما، واختلفوا أيضًا في أصل فعلها، فقال إمام الحرمين والغزالي: ليست فرض كفاية، وقال الإِمام أبو الحسن علي بن محمد بن علي الطبري المعروف بالكيا الهراسي صاحب إمام الحرمين: "هي فرض كفاية، وهذا أظهر. قال أصحابنا: وفرض الكفاية المراد به تحصيل ذلك الشيء من المكلفين به أو بعضهم، ويعم وجوبه جميع المخاطبين به، فإذا فعله من تحصل به الكفاية سقط الحرج عن الباقين، وإذا قام به جَمْعٌ تحصل الكفاية ببعضهم فكلهم سواء في حكم القيام بالفرض في الثواب. . . . ثم قال: "واعلم أن للقائم بفرض الكفاية مزية على القائم بفرض العين لأنه أسقط الحرج عن الأمة ثم قال: "القسم الثالث: النفل؛ وهو كالتبحر في أصول الأدلة، والإمعان فيما وراء القَدْر الذي يحصل به فرض الكفاية".

وقال عن القسم الثاني: "قد ذكرنا أقسام العلم الشرعي، ومن العلوم الخارجة عنه ما هو محرم أو مكروه ومباح: فالمحرم كتعلم السحر. . . . وكالفلسفة والشعبذة والتنجيم وعلوم الطبائعيين وكل ما كان سببًا لإثارة الشكوك،

<<  <  ج: ص:  >  >>