هو مطلب عام لكل التيارات، بخلاف التغريب فهو الشر الذي يهرب منه العقلاء. تمثل نموذج التحديث السياسي الأبرز في: محمَّد علي والي مصر، وباي تونس. وتمثل النموذج الفكري مع الطهطاوي في مصر، وخير الدين في تونس، وكانت العلاقة بين السياسي والمفكر علاقة تعاونية سلبية، المفكر موظف في التحديث وليس شريكًا حقيقيًا، مع أن قادة الأمة هم الأمراء والعلماء، وعندما يقع اختلال في دورهما والعلاقة بينهما يقع الضرر. ومن الطبيعي أن لا يقع رفض من قبل الطهطاوي والتونسي للثقافة الغربية أو اعتراض عليها، فهما ممن يتحمل عبء نقلها إلى العالم الإِسلامي، فكيف ينقدون ما يحاولون فهمه في وقت قصير ثم نقله؟؛ ولذا كانت حاستهما النقدية ضعيفة بخلاف جهودهما في النقل فقد كانت قوية ونشيطة.
ولكن جهود النقل التحديثي تنوعت مشاربها وأهدافها وغاياتها، مما جعل نهاية القرن الثالث عشر في غاية الفوضى الفكرية أخطرها ما له علاقة بالدين، ومن ذلك ما تسبب به نشاط التحديث من توتر في العلاقة بين الدين والعلم الحديث؛ أي: أن نشاط التحديث حرص على نقل العلم الحديث، ولكنه لم ينتبه للعلاقة بينه وبين الدين، كان مشروع التحديث يتوقع أن العلم موضوعي محايد، وحقائق لا جدال حولها، ولكن الذي ظهر بعد ذلك أنه نشاط بشري يعتريه ما يعتري أنشطة البشر.
أصبح الواقع ملتبسًا: فهناك تيار يرى السلامة في رفض كل شيء جديد، وتيار قوى ومتقدم يرى التحديث مرتبط بالتغريب، وكان الواقع ينتظر وجود اتجاه ثالث يعالج المشكلة. فظهر في الساحة المصرية رجل مؤثر غاية التأثير وهو الشيخ "جمال الدين الأفغاني"، فلم يرفض كل ما جاء من الغرب، وهاجم بشدة الموقف التغريبي، وتوقف مع المشكلة المهمة وهي مشكلة العلاقة بين الدين والعلم، وقد عرض "على المحافظة" المبادئ التي يقوم عليها تجديده الديني: بأن قوتنا لن تكون إلا بالدين، وبدعوته إلى فتح باب الاجتهاد وتحرير الفكر الديني من قيود التقليد، لنصل إلى التوفيق بين العلم والإيمان فهو "يعتقد أن لا خلاف بين ما جاء في القرآن والحقائق العلمية، أما إذا برز خلاف ما، فذلك دلالة على عجز في تفسير الآيات القرآنية. ويقترح حلّ هذا الإشكال باعتماد التأويل. يقول في هذا الصدد: "إن الدين لا يصح أن يخالف الحقائق، فإن كان