للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظاهره المخالفة وجب تأويله، وقد عم الجهل وتفشى الجمود في كثير من المتردين برداء العلماء، حتى اتهم القرآن بأنه يخالف الحقائق العلمية الثابتة، والقرآن بريء مما يقولون. والقرآن يجب أن يجل عن مخالفة العلم الحقيقي خصوصًا في الكليات" (١)، ثم ذكر مثالًا لذلك يتعلق بنظرية الفلك الحديثة، فقد "أثبت العلم كروية الأرض ودورانها، وثبات الشمس دائرة على محورها، فهذه الحقيقة مع ما يشابهها من الحقائق العلمية لابد أن تتوافق مع القرآن -والقرآن يجب أن يجل عن مخالفته للعلم الحقيقي، خصوصًا في الكليات. فإذا لم نر في القرآن ما يوافق صريح العلم والكليات اكتفينا بما جاء فيه من الإشارة ورجعنا إلى التأويل. . . ." (٢).

يبرز في موقف "جمال الدين" إصراره على رفض دعوى مخالفة الدين للحقائق العلمية أو دعوى مخالفة القرآن لها، القرآن يجب أن يجل عن مخالفته للعلم الحقيقي، فإن وقع تعارض فإما أنه من جهل وجمود بعض العلماء أو أن التعارض ظاهري في الجزئيات، وهنا نرجع إلى التأويل، فالتعارض ممنوع، ولاسيّما في الكليات، وإن وقع فالحل هو في التأويل. ولكن بسبب انشغال الأفغاني بالهمّ السياسي وانصرافه إلى ميدان العمل الميداني، فقد خفف من نشاطه الفكري والعلمي، بخلاف تلميذه البارز الشيخ "محمَّد عبده" الذي انصرف بعد انفصاله عن شيخه إلى الفكر والعلم وترك العمل الميداني. ولكن قبل الذهاب للشيخ محمَّد نتوقف مع أمرين مهمين للأفغاني حول مسألة العلوم العصرية:

لقد حُفظ للأفغاني مواقف في العلاقة بين الدين والعلم أهمها اثنان: ردّه على "رينان" ورده على "النشتيرين"، أما الأول، فقد ألقى "رينان" محاضرة بعنوان "الإِسلام والعلم" ألقاها في السربون، في وقتٍ كان طلاب الابتعاث من العالم الإِسلامي يكثرون في فرنسا، وكان من قضايا المحاضرة "أن الإِسلام لا


(١) الاتجاهات الفكرية عند العرب. . . .، علي المحافظة ص ٧٤ - ٧٥، ونصه الأخير عن أحمد أمين في زعماء الإصلاح في العصر الحديث ص ١١٤، وأحيانًا أجد المرجع قد أحال إلى شواهد مما قد جمعته فأكتفي بإحالة المرجع مع تأكدي من مطابقة ما قاله لما بين يدي من مراجع.
(٢) خاطرات جمال الدين الأفغاني، محمَّد المخزومي ص ١٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>