للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

متعددة، ومن ثم يجب إعادة تأويله إذا تصادم مع العقل أو العلم، وهذه نفسها هي وجهة نظر ابن رشد، لكن الأفغاني توسع في ذلك حتى يفتح الباب للعلم الحديث، مؤكدًا على الحتمية المتجددة للاجتهاد في فهم الدين" (١).

أما الحدث الثاني فهو رده على "الدهريين" وعنوانه "رسالة في إبطال مذهب الدهريين، وبيان مفاسدهم، وإثبات أن الدين أساس المدنية، والكفر فساد العمران"، والمهم في هذه الرسالة أن الرد يرتبط بتيار له علاقة بالمذاهب العلمية ونظرياتها، حيث يرتبط بالمذهب الداروني صاحب نظرية النشوء والارتقاء، فيكون عمله من أوائل الأعمال الفكرية التي تواجه مثل تلك المذاهب المرتبطة بالعلم ونظرياته ومذاهبه. كما أنها تكشف عن خطورة الوضع، ولاسيّما عندما تنتشر مثل هذه الأفكار في بيئات ضعيفة فيها الجهل والضعف، فقد انتشر المذهب داخل الهند -والمقصود هنا الهند الكبرى قبل قسمتها- فجاءه سؤال من "محمَّد واصل" مدرس الفنون الرياضية بحيدرآباد: "يقرع سمعنا في هذه الأيام صوت "نيتشر" ويصل إلينا من جميع الأقطار الهندية، ولا تخلو بلدة من جماعة يلقبون بهذا اللقب "نيتشري" فما حقيقة النيتشرية. . . ." (٢)، ومع ارتباط المذهب بشخصية علمية إلا أنه لم يرد على مذهب دارون في جانبه العلمي وإنما أثبت خطورة الإلحاد وحاجة الناس للدين في رده على من تأثر بمذهبه (٣).

صحيح أن "الأفغاني" لم يؤسس منهجًا لحركة فكرية واضحة، وكما سبق فقد كان رجل حركة وعمل، ومثْلُ هذا الصنف من البارزين لا يمكنهم المكوث لكتابةٍ فكرية وصياغة منهجية، ولكن وجوده في مصر إحدى أهم حاضرات العالم الإِسلامي في القرن الثالث عشر قد تسبب في إيجاد حركة فكرية أهم شخصياتها الشيخ "محمَّد عبده"، الذي صاغ منهجًا واضح المعالم يطبع هذا التيار الجديد بطابعه، ومن ذلك الموقف من العلم الحديث، وهو ما أحاول الآن رصده ومعرفته والنظر في إيجابياته وسلبياته.


(١) الإِسلام والعلم بين الأفغاني ورينان، د. محمَّد الخشت ص ٦٥.
(٢) زعماء الإصلاح في العصر الحديث، أحمد أمين ص ٧٨، وانظر: الفكر الإِسلامي وصلته بالاستعمار الغربي، د. محمَّد البهي ص ٦٨ وما بعدها.
(٣) انظر: الإِسلام والعلم. . . .، السابق ص ٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>