للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الناس ولكنه لا يعالج أصلها، وهو الإلحاد والجهل بالرب سبحانه وصفاته وأفعاله.

لا يعني هذا أن الشيخ "محمَّد عبده" يريد تفسير القرآن علميًا (١)، فالظاهر من كلامه أنه لا يميل إلى هذا النوع من التفسير، ولكنه يميل إلى توضيح بعض المعاني وتقريبها إلى أذهان الناس بضرب أمثلة من المكتشفات العلمية، وهذا أمر مقبول، وبما أنه على معرفة ببعض المشكلات الفكرية الحديثة، فهي تظهر تلميحًا في تفسيره، دون أن يحاول الاصطدام بها، وربما أقرب الأمثلة لذلك موقفه الغامض من تفسير آيات خلق آدم -عليه السلام- من سورة البقرة، فهو على معرفة بالنظرية العلمية السائدة آنذاك، فلما جاء إلى تفسير قوله -تعالى-: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: ٣٠]، قال الشيخ "محمَّد رشيد رضا": "وقد ذهب الأستاذ إلى أن هذه الآيات من المتشابهات التي لا يمكن حملها على ظاهرها؛ لأنها بحسب قانون التخاطب إما استشارة وذلك محال على الله تعالى، وإما إخبار منه سبحانه للملائكة واعتراض منهم ومحاجة وجدال، وذلك لا يليق بالله تعالى أيضًا ولا بملائكته. . . ." (٢)، ثم ذكر أن موقفنا إما التفويض أو التأويل، وذكر أن التفويض هي طريقة السلف وأنه عليها "في وجوب التسليم والتفويض فيما يتعلق بالله تعالى وصفاته وعالم الغيب" (٣).

ثم جاء تعليق الشيخ "محمَّد رشيد" فقال: "وأقول أنا مؤلف هذا التفسير: إنني ولله الحمد على طريقة السلف وهديهم، عليها أحيا وعليها أموت إن شاء الله تعالى. وإنما أذكر من كلام شيخنا ومن كلام غيره، ومن تلقاء نفسي بعض التأويلات لما ثبت عندي باختباري الناس أن ما انتشر في الأمة من نظريات الفلاسفة ومذاهب المبتدعة المتقدمين والمتأخرين جعل قبول مذهب السلف واعتقاده يتوقف في الغالب على تلقيه من الصغر بالبيان الصحيح وتخطئة ما يخالفه، أو طول ممارسة الرد عليهم، ولا نعرف في كتب علماء السنة أنفع في الجمع بين النقل والعقل من كتب شيخي الإِسلام ابن تيمية وابن القيم -رحمهما الله-


(١) لا تميل المدرسة عمومًا إلى هذا النوع وإن خالفوا في بعض التطبيقات، ولكنها قليلة للمتأمل، انظر: منهج المدرسة العقلية في التفسير، فهد الرومي ص ٢٧٠ - ٢٨٠.
(٢) تفسير المنار ١/ ٢٥١ - ٢٥٢.
(٣) المرجع السابق ١/ ٢٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>